الحمد لله.
الكلام والنقاش في المسائل الشرعية من غير علم المتكلم بوجه الحق فيها، وإنما يتكلم فيها بما يخطر على ذهنه، هذا التصرف له حالان:
الحالة الأولى:
أن يكون المتكلم معتقدا أن رأيه هو الصواب ، وأنه حكم الشرع ، ويجادل عن قوله على أنه هو الحق.
فهذا لا يجوز ، لأنه قول بغير علم.
قال الله تعالى: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا الإسراء 36.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:
" نهى جل وعلا في هذه الآية الكريمة عن اتباع الإنسان ما ليس له به علم، ويشمل ذلك قوله: رأيت، ولم ير. وسمعت، ولم يسمع، وعلمت، ولم يعلم. ويدخل فيه كل قول بلا علم، وأن يعمل الإنسان بما لا يعلم، وقد أشار جل وعلا إلى هذا المعنى في آيات أخر " انتهى من "اضواء البيان" (3/682).
وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم: (228936).
الحالة الثانية:
أن لا يقطع بوجه الحق في المسألة، وإنما يكون كلامه من باب المباحثة والمدارسة وطرح الاحتمالات، فيذكر كل ما يظن أنه متعلق بالمسألة ولا يقطع بصواب قوله ولا بتخطئة محاوره، فيقول : ربما يكون كذا، ولعل الصواب كذا.
فمثل هذا لا بأس به، لأنه نوع من تنمية مهارة التفكير والفهم، وهذا كحال الشيخ يطرح المسألة على طلابه أو يختبرهم فيجيبون بما يظنون أنه صواب، ثم يبيّن لهم وجه الصواب.
روى البخاري (62)، ومسلم (2811) عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ، حَدِّثُونِي مَا هِيَ؟ قَالَ: فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي. قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ. ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ.
وبوّب عليه البخاري بقوله: " بَابُ طَرْحِ الْإِمَامِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَصْحَابِهِ لِيَخْتَبِرَ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ".
وقال النووي رحمه الله تعالى:
" وفي هذا الحديث فوائد منها استحباب إلقاء العالم المسألة على أصحابه ليختبر أفهامهم ويرغبهم في الفكر والاعتناء " انتهى من "شرح صحيح مسلم" (17/154).
لكن يجب أن تكون نية المتناقشين الرغبة في العلم، وليس بقصد التكلّف والتعالم.
ثم .. ينبغي بعد هذه المدارسة أن تسألوا أحدا من أهل العلم، أو ترجعوا إلى كلام العلماء حتى تحصل الفائدة، وهي معرفة الحق ثم العمل به .
والله أعلم.
تعليق