الأحد 19 شوّال 1445 - 28 ابريل 2024
العربية

من ليس له علم شرعي، هل يجوز له أن يناقش غيره في المسائل الشرعية؟

447560

تاريخ النشر : 25-05-2023

المشاهدات : 2377

السؤال

كثيرا ما نتساءل أنا وصديقي عن مسألة معينة، ورأي الدين فيها، كل مرة موضوع، ونكون نحن الاثنان فقط، ويكون كلانا ليس لديه الجواب الصريح من أهل العلم على هذه المسألة، فيحدث الآتي: يقول أحدنا: لم لا نبحث المسألة في أقوال أهل العلم، أو نسأل أحد العلماء أو طلبة العلم عنه مباشرة، ويقول الآخر: لن نفتي، وإنما فقط نتدارس المسألة. ثم يستمر الحديث في المسألة من الطرفين، فهذا يذكر حديثا يظن أن له صلة بالموضوع، والآخر يذكر آية يرى أن لها علاقة بالمسألة، ثم يستمر الكلام ويطول وربما أدخلنا المنطق، وتفلسفنا، وأخطأنا في الاستدلال والقياس والتشبيه، ثم بعد حديث طويل، لا نصل إلى جواب مسألتنا يقينا، وإنما كل ما جمعناه هو استدلالاتنا المتفرقة التي أدلينا بها، ولسنا متيقنين من صحة الاستدلال بها، وصحة فهمنا لها، وربما بحث أحدنا أو كلانا، بعد هذا الوقت كله، عن كلام أهل العلم وجوابه، وربما نسينا، وربما لم نجد جوابا لنفس مسألتنا،، ثم في اليوم التالي أو اللقاء التالي نتحدث في مسألة مختلفة مثلا، أو نكمل الحديث في نفس المسألة بنفس الطريقة ونفس النتيجة، ثم نحن على فريقين في هذا، أحدنا يرى أن هذا كلام ونقاش في الدين بغير علم، ولا ينبغي، والصحيح أن ينتهي الحديث منذ البداية، وإما أن نبحث في أقوال أهل العلم مباشرة أو ننتهي عن الحديث حتى نبحث أو نسأل، والآخر يرى أنه لا بأس في ذلك، وأن فيه فائدة، وأننا نستفيد بسماع بعض الأحاديث والآيات بيننا، ثم إننا لا نفتي في رأيه لكننا فقط نناقش المسألة، ونورد الأحاديث، والآيات حسب فهمنا، وهذا في رأيه مفيد، وخير لنا من الحديث في أمور الدنيا المباحة وتضييع أوقاتنا فيها. فما قول أهل الذكر في مثل هذا؟

الجواب

الحمد لله.

الكلام والنقاش في المسائل الشرعية من غير علم المتكلم بوجه الحق فيها، وإنما يتكلم فيها بما يخطر على ذهنه، هذا التصرف له حالان:

الحالة الأولى:

أن يكون المتكلم معتقدا أن رأيه هو الصواب ، وأنه حكم الشرع ، ويجادل عن قوله على أنه هو الحق.

فهذا لا يجوز ، لأنه قول بغير علم.

قال الله تعالى: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا الإسراء 36.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

" نهى جل وعلا في هذه الآية الكريمة عن اتباع الإنسان ما ليس له به علم، ويشمل ذلك قوله: رأيت، ولم ير. وسمعت، ولم يسمع، وعلمت، ولم يعلم. ويدخل فيه كل قول بلا علم، وأن يعمل الإنسان بما لا يعلم، وقد أشار جل وعلا إلى هذا المعنى في آيات أخر " انتهى من "اضواء البيان" (3/682).

وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم: (228936).

الحالة الثانية:

أن لا يقطع بوجه الحق في المسألة، وإنما يكون كلامه من باب المباحثة والمدارسة وطرح الاحتمالات، فيذكر كل ما يظن أنه متعلق بالمسألة ولا يقطع بصواب قوله ولا بتخطئة محاوره، فيقول : ربما يكون كذا، ولعل الصواب كذا.

فمثل هذا لا بأس به، لأنه نوع من تنمية مهارة التفكير والفهم، وهذا كحال الشيخ يطرح المسألة على طلابه أو يختبرهم فيجيبون بما يظنون أنه صواب، ثم يبيّن لهم وجه الصواب.

روى البخاري (62)، ومسلم (2811) عَنِ ‌ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ ‌مِنَ ‌الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ، حَدِّثُونِي مَا هِيَ؟ قَالَ: فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي. قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ. ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ.

وبوّب عليه البخاري بقوله: " بَابُ طَرْحِ الْإِمَامِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَصْحَابِهِ لِيَخْتَبِرَ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ".

وقال النووي رحمه الله تعالى:

" وفي هذا الحديث فوائد منها استحباب إلقاء العالم المسألة على أصحابه ليختبر أفهامهم ويرغبهم في الفكر والاعتناء " انتهى من "شرح صحيح مسلم" (17/154).

لكن يجب أن تكون نية المتناقشين الرغبة في العلم، وليس بقصد التكلّف والتعالم.

ثم .. ينبغي بعد هذه المدارسة أن تسألوا أحدا من أهل العلم، أو ترجعوا إلى كلام العلماء حتى تحصل الفائدة، وهي معرفة الحق ثم العمل به .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب