الحمد لله.
الزواج من أبواب الرزق.
قال الله تعالى: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ النور/32.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" وقوله تعالى: ( إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )، قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: رغبهم الله في التزويج، وأمر به الأحرار والعبيد، ووعدهم عليه الغنى، فقال: ( إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)...
وعن الليث، عن محمد بن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ثَلاَثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللهِ عَوْنُهُمْ: النَّاكِحُ يُرِيدُ العَفَافَ، وَالْمُكَاتَبُ يُرِيدُ الْأَدَاءَ، وَالْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ ). رواه الإمام أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه " انتهى من "تفسير ابن كثير" (6/51).
وهذا يرشد المسلم إلى أن لا يحمل همّ الرزق، ولا يعتقد أنه هو الذي سيرزق زوجته وولده؛ لأن الرزق من الله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) الأنعام/151.
وما يقال بأن الولد يأتي برزقه معه، يقصد به ما تشير إليه هذه الآية، وأن الرزق مكتوب.
عن عَبْد اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه، قال: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ، قَالَ: إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، وَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ، وَرِزْقَهُ، وَأَجَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ... رواه البخاري (3208)، ومسلم (2643).
ولا يلزم من هذا أن بمجيء الولد أو الزوجة تنفتح طرق أخرى لكسب المال، ونحو هذا، ولا يلزم أن تكون صورة ذلك انضمام رزق الزوجة والولد إلى رزق الزوج، فكل هذا تحكم وتحجير لواسع ورجم بالغيب في مسألة هي من علم الله؛ فالرزق من علم الله، وبيده، وفضله، ومن خزائنه، سبحانه. ولكل من خلقه نصيبه من الرزق، سواء أكان يأتيه ذلك بسعيه هو وكده في العيش، فيرزقه الله منه، أو يكون بأن يرزق كافله وعائله، كما يرزق الرجل برزق عياله وامرأته ومن يعولهم، وقد يكون بغير هذا وهذا، ولا تحجر على فضل الله وسعة عطائه.
وقد يكون العكس، فيكون رزق الزوج وولده مكتوبا في مال زوجته، بأن تكون ذات مال فتعينه.
كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ رواه البخاري (5090)، ومسلم (1466).
قال أبو العباس القرطبي رحمه الله تعالى:
" و(قوله: تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها) أي: هذه الأربع الخصال هي المرغِّبة في نكاح المرأة. وهي التي يقصدها الرجال من النساء. فهو خبر عما في الوجود من ذلك، لا أنه أمر بذلك. وظاهره إباحة النكاح؛ لقصد مجموع هذه الخصال أو لواحدة منها... " انتهى من "المفهم" (4/215).
وهو أمر مشاهد في الوجود.
وقد يكون الرزق ليس مالا يزاد، بل بركة تحل في راتب الزوج فيكفي زوجته وولده، كما نرى عند كثير من الأزواج، ترى راتبه قبل الزواج وبعده هو بنفس المقدار، لكن الله تعالى يجعل فيه البركة فيكفي الجميع.
وقد يكون الرزق بأن يكفى العبد ما يضيع عليه ماله ، كأن يكفى هم علاج زوجته المريضة أو دراسة ولده، وغير هذا.
فأبواب الرزق وكيفيتها لا يمكن الإحاطة بها، وقد لا يشعر بها.
قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ الطلاق/2–3.
والله أعلم.
تعليق