الحمد لله.
دلالة المعتمر والزائر وغيرهم ممن ضل الطريق: من أعمال البر، ومن فضائل الأعمال:
1-فالدلالة على الطريق صدقة من الصدقات.
وقد روى البخاري (2891) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (كُلُّ سُلاَمَى عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ، يُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ، يُحَامِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ، وَكُلُّ خَطْوَةٍ يَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَدَلُّ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " دَلُّ الطريق: بفتح الدال، أي بيانه لمن احتاج إليه، وهو بمعنى الدلالة" انتهى من "فتح الباري" (6/85).
والسُّلَامى: المَفصل، وفي الإنسان ثلاثمائة وستون مفصلا.
وروى أحمد (21363) عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: "قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ذَهَبَ الْأَغْنِيَاءُ بِالْأَجْرِ، يُصَلُّونَ وَيَصُومُونَ وَيَحُجُّونَ.
قَالَ: (وَأَنْتُمْ تُصَلُّونَ وَتَصُومُونَ وَتَحُجُّونَ).
قُلْتُ: يَتَصَدَّقُونَ وَلَا نَتَصَدَّقُ.
قَالَ: (وَأَنْتَ فِيكَ صَدَقَةٌ: رَفْعُكَ الْعَظْمَ عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ، وَهِدَايَتُكَ الطَّرِيقَ صَدَقَةٌ، وَعَوْنُكَ الضَّعِيفَ بِفَضْلِ قُوَّتِكَ صَدَقَةٌ، وَبَيَانُكَ عَنِ الْأَرْثَمِ صَدَقَةٌ...) وصححه شعيب في "تحقيق المسند".
والأرثم: هو الذي لا يُصحح كلامه ولا يبينه لآفةٍ في لسانه أو أسنانه.
2- وله من الأجر مثل عتق رقبة.
أخرج أحمد في مسنده (18403) من حديث النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: (مَنْ مَنَحَ مَنِيحَةً وَرِقًا، أَوْ ذَهَبًا، أَوْ سَقَى لَبَنًا، أَوْ هَدَى زِقَاقًا: فَهُوَ كَعَدْلِ رَقَبَةٍ).
وروى الترمذي (1957) بمعناه من حديث البَرَاء بْن عَازِبٍ ثم قال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ …، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ( مَنْ مَنَحَ مَنِيحَةَ وَرِقٍ ) إِنَّمَا يَعْنِي بِهِ: قَرْضَ الدَّرَاهِمِ، قَوْلُهُ: ( أَوْ هَدَى زُقَاقًا ): يَعْنِي بِهِ هِدَايَةَ الطَّرِيقِ وَهُوَ إِرْشَادُ السَّبِيلِ" انتهى.
وقال السندي في حاشيته: " فهدى، بالتخفيف، من الهداية، وزقاق، بضم الزاي المعجمة، بمعنى الطريق، أي: دلَّ الضال أو الأعمى على طريقه".
3-وهذه الدلالة من الإحسان إلى الخلق.
والإحسان إلى الناس مما يحبه الله، ويبلغ صاحبه محبة الله وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ، ومن مظاهر الإحسان إلى الناس مساعدتهم في حمل أمتعتهم أو دلالتهم على الطريق، أو إصلاح الطريق لهم.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وأما الإحسان إلى الناس بالبدن، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة)، فهذا رجل تعينه؛ تحمل متاعه معه، أو تدله على طريق، أو ما أشبه ذلك، فكل ذلك من الإحسان" انتهى من "فتاوى ابن عثيمين" (6/ 17).
4-والمرشد موعود بالإعانة وتيسير أموره من الله تعالى؛ لأن الجزاء من جنس العمل.
روى الإمام مسلم (2699) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ... ).
وهذا من النفع المتعدي الذي يؤجر صاحبه، وينال به محبة الله، ويتأكد هذا في مثل الحرمين الشريفين حيث يأتي إليها الناس من كل العالم غرباء يحتاجون من يدلهم ويرشدهم، فهو من قضاء حاجات المسلمين.
فينبغي على القائمين والموكلين بدلالة وإرشاد الناس في الحرمين الشريفين احتساب هذا الأجر العظيم، وعدم التبرم والضجر من هذه المهام، لما فيها من الأجر العظيم، ولأنها من الأسباب الجالبة لمحبة الله ؛ ولأن التضجر والتبرم من ذلك من أسباب زوال النعم.
ويحسن بمن يتعرض للقاصدين والزوار ويقصده الناس في حاجتهم وإرشادهم: أن يتعرف على الطرق والأماكن التي تكثر الحاجة إليها؛ لينال أجر الدلالة وشرف حسن الوفادة.
وإذا لم تكن لديه الخبرة الكافية، ولا يستطيع الدلالة لعدم درايته بالطرق والأماكن: فعليه أن يعتذر بلطف، ووجه بشوش، وكلام حسن، ويبين للمسترشد أنه لا يستطيع دلالاته حتى لا يتوه بسببه ويبتعد عن مساره، خاصة مع الزحام وما قد يلحق بكبار السن من أذى، وأن يدله على التطبيقات الإلكترونية التي تعينه على ذلك أو يوصله بمن لديه قدرة على دلالته، والاعتذار أولى من الإرشاد الخاطئ.
والله أعلم.
تعليق