الحمد لله.
روى البخاري (5543) ومسلم (1968) عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: "قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّنَا نَلْقَى الْعَدُوَّ غَدًا وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى.
فَقَالَ: (مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ فَكُلُوا، مَا لَمْ يَكُنْ سِنٌّ وَلَا ظُفُرٌ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ: أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ).
وجملة: ( وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ: أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ )، واضح من سياق الحديث أنها من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد رأى ابن القطان الفاسي أنها من كلام رافع بن خديج، حيث قال رحمه الله تعالى:
" (… مَا أنهر الدَّم وَذكر اسْم الله عَلَيْهِ فَكل مَا لَيْسَ السن وَالظفر، وسأحدثك، أما السن فَعظم، وَأما الظفر فمدى الْحَبَشَة ) الحَدِيث…
والشّك في شيئين: في اتّصاله، وفي كون: (أما السن فَعظم): من كلام النّبي صلى الله عليه وسلم.
وذلك أَن أَبَا الْأَحْوَص رَوَاهُ عَن سعيد بن مَسْرُوق وَالِد سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن عَبَايَة بن رِفَاعَة بن رَافع، عَن أَبِيه، عَن جده رَافع بن خديج قَالَ: أتيت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يَا رَسُول الله، إِنَّا نلقى الْعَدو غَدا وَلَيْسَ عندنَا مدى، أفنذبح بالمروة وشقة الْعَصَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: ( أرن أَو أعجل، مَا أنهر الدَّم وَذكر اسْم الله عَلَيْهِ فكلوه مَا لم يكن سنّ أَو ظفر).
قَالَ رَافع: وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَن ذَلِك، أما السن فَعظم، وَأما الظفر فمدى الْحَبَشَة… " انتهى من "بيان الوهم والإيهام" (2/290).
وقد رد عليه تلميذه ابن المواق، فقال رحمه الله تعالى:
" اعتماده في جعل: ( وسأحدثكم عن ذلك، أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة ) من كلام رافع على رواية شاذة، وقعت لبعض الرواة عن أبي بكر بن داسة، وهو عيسى بن حنيف فزاد فيه: ( قال رافع ) روى كتاب أبي داود عن ابن حنيف: أبو محمد عبد الله بن الوليد، وأبو الحسين أحمد بن عبد الرحمن بن الحضائري، ورواه ابن الحضائري أيضا عن محمد بن أحمد ابن يزيد القيرواني، وقد رأيت هذه الزيادة في أصل ابن الحضائري ملحقة في الحاشية، ولم تقع أولا، فلعل هذا الشيخ لقنها، فتلقنها وأثبتها في كتابه، فأخذت عنه.
وقد روى كتاب أبي داود عن ابن داسة، أبو محمد، عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، وأبو حفص الخولاني، ولم يقل ذلك واحد منهما عن ابن داسة، وكذلك رواه الخطابي في "غريب الحديث" عن ابن داسة ولم يقل ذلك، وكذلك الرواة عن أبي داود، ولم يقلها أحد منهم، لا ابن الأعرابي، ولا الرملي، ولا اللؤلؤي...
فتبين بهذا الذي ذكرناه أنه لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تبق معه مخالجة شك في ذلك، والله أعلم " انتهى من "بغية النقاد النقلة" (2/ 266-270).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" وقوله فيه: ( وسأحدثكم عن ذلك )، جزم النووي بأنه من جملة المرفوع، وهو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الظاهر من السياق، وجزم أبو الحسن بن القطان في كتاب "بيان الوهم والإيهام" بأنه مدرج من قول رافع بن خديج راوي الخبر، وذكر ما حاصله أن أكثر الرواة عن سعيد ومسروق أوردوه على ظاهر الرفع، وأن أبا الأحوص قال في روايته عنه بعد قوله: ( أو ظفر ): ( قال رافع: وسأحدثكم عن ذلك)، ونسب ذلك لرواية أبي داود، وهو عجيب؛ فإن أبا داود أخرجه عن مسدد، وليس في شيء من نسخ السنن قوله: ( قال رافع )، وإنما فيه كما عند المصنف هنا بدونها، وشيخ أبي داود فيه مسدد هو شيخ البخاري فيه هنا، وقد أورده البخاري في الباب الذي بعد هذا بلفظ: ( غير السن والظفر فإن السن عظم … )، وهو ظاهر جدا في أن الجميع مرفوع " انتهى من "فتح الباري" (9/672).
فالحاصل؛ أن عبارة: ( وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ: أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ ) من كلام النبي صلى الله عليه وسلم بلا شك، وقد اتفقت على هذا الروايات الصحيحة والنسخ الثابتة لكتب السنة التي ورد فيها هذا الحديث.
وينظر جواب السؤال هل يتعارض العلم التشريحي مع حديث (أما السن فعظم)؟
والله أعلم.
تعليق