الحمد لله.
أولا:
ما يعرف بـ "مقدمة صحيح مسلم"، يطلق على الورقات التي كتبها الإمام مسلم في بداية كتابه "الصحيح" قبل شروعه في سرد أحاديث الكتاب، ومقدارها في النسخ المطبوعة حوالي 30 صفحة.
وهو لم يطلق عليها اسما معيّنا، بل شرع في مضمون المقدمة بلا عنوان، حيث قال رحمه الله تعالى:
" بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وصلى الله على محمد خاتم النبيين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
أما بعد: فإنك يرحمك الله بتوفيق خالقك، ذكرت أنك هممت بالفحص عن تعرف جملة الأخبار المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنن الدين وأحكامه، وما كان منها في الثواب والعقاب، والترغيب والترهيب، وغير ذلك من صنوف الأشياء بالأسانيد التي بها نقلت، وتداولها أهل العلم فيما بينهم ... " انتهى. "مقدمة صحيح مسلم" (ص 2).
لكن تعارَفَ أهل العلم على تسمية هذه الورقات بـ "المقدمة" ، وبعضهم يسميها بـ "خطبة الكتاب".
ثانيا:
وموضوع هذه المقدمة، تناول النقاط الآتية:
الأولى: بيان سبب تأليف الكتاب.
الثانية: بيان موضوع الكتاب.
الثالثة: بيان منهجه في الكتاب.
الرابعة: تطرق إلى بعض مسائل علم الحديث التي ينبغي لمطالع الكتاب أن يعلمها.
ثالثا:
هل تعدّ مقدّمة الإمام مسلم من جملة كتابه "الصحيح"؟
فبالنظر إلى روايتها وكتابتها، فهي غير منفصلة عن "الصحيح"؛ لأنها قد رويت ونسخت وطبعت ضمن كتابه، ولم ترو منفصلة عنه، فهي كحال كل مقدمة وخطبة لكتاب.
وأما من حيث النظر إلى موضوعها ومحتواها، فهي ليست من ضمن كتابه "الصحيح"، بل هي مقدمته وحسب.
وهذا الذي يفهم من تصرف الإمام مسلم، حيث قال بعد انتهاء المقدمة:
" بِعَوْنِ اللهِ نَبْتَدِئُ، وَإِيَّاهُ نَسْتَكْفِي، وَمَا تَوْفِيقُنَا إِلَّا بِاللهِ جل جلاله " انتهى من "صحيح مسلم" (1 /28).
ثم شرع في ذكر أحاديث كتابه.
وقد تعارف أهل العلم على التفريق بين "المقدمة" وبين "الصحيح"، فإذا نسبوا حديثا ذكره الإمام مسلم في "المقدمة"، لا يقولون عادة أخرجه مسلم في "صحيحه"، وإنما يقولون أخرجه في "مقدمة الصحيح"، كما يظهر من صنيع المزي في كتابه "تحفة الأشراف"، وغيره من أهل العلم.
ويظهر هذا التمييز واضحا جليا من قول المزي في مقدم كتابه "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف":
" ... أما بعد: فإني عزمت على أن أجمع في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى أطراف الكتب الستة التي هي عمدة أهل الإسلام، وعليها مدار عامة الأحكام، وهي:
صحيح محمد بن إسماعيل البخاري، وصحيح مسلم بن الحجاج النيسابوري، وسنن أبي داود السجستاني، وجامع أبي عيسى الترمذي، وسنن أبي عَبد الرحمَن النسائي، وسنن أبي عبد الله بن ماجة القزويني، وما يجري مجراها من: مقدمة كتاب مسلم … " انتهى من "تحفة الأشراف" (1/ 3 - 4).
وكذا يفرقون بين الرواة الذين وردوا في المقدمة ، وبين الرواة الذين ساق الإمام مسلم أحاديثهم في صلب كتابه "الصحيح".
فالراوي الذي يسوق الإمام مسلم أحاديثه في المقدمة فقط، يصفونه بأنه من رجال مسلم في "المقدمة"، كما هو صنيع المزي في كتابه "تهذيب الكمال"، حيث قال في مقدمة كتابه، وهو يعرّف برموز كتابه:
" وعلامة ما أخرجه مسلم في الصحيح: (م)، وعلامة ما أخرجه في مقدمة كتابه: (مق) " انتهى من "تهذيب الكمال" (1/149).
وكذا صنع من جاء بعده من المصنفين في تراجم الرواة.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
"... وأما قولكم: إنَّ مسلمًا روى لسفيان بن حسين في "صحيحه"، فليس كما ذكرتُم، وإنما روى له في مقدمة كتابه، ومسلمٌ لم يشترط فيها ما شرَطَهُ في الكتاب من الصَّحَّة، فلها شَأْن، ولسَائِرِ كتابه شَأْن آخر، ولا يشك أهل الحديث في ذلك " انتهى من "الفروسية المحمدية" (1/ 183).
والله أعلم.
تعليق