الحمد لله.
جاء في الكتاب العزيز قول الله تعالى عن أهل الجنة دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [يونس: 10].
أي: خاتمة دعائهم هو التحميد بقولهم: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ؛ فهم يختمون دعاءهم بحمد الله سبحانه وتعالى.
قال السمعاني رحمه الله: "قَوْله تَعَالَى: وَآخر دَعوَاهُم مَعْنَاهُ: وَآخر قَوْلهم: أَن الْحَمد لله رب الْعَالمين : فَيكون ابْتِدَاء أَمرهم بالتسبيح، وانتهاء أَمرهم بِالْحَمْد وَالشُّكْر" انتهى من "تفسير السمعاني" (2/ 368).
وقال البغوي رحمه الله: "وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ يُرِيدُ: يَفْتَتِحُونَ كَلَامَهُمْ بِالتَّسْبِيحِ، وَيَخْتِمُونَهُ بِالتَّحْمِيدِ" انتهى من "تفسير البغوي" (4/ 123).
قال الشيخ رشيد رضا رحمه الله:"(وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين) : فمعناه أنَّ الحمد له جل ثناؤه: هو آخر كلِّ حال من أحوال أهل الجنة، من دعاء يُناجون به الله تعالى، ومطلب يطلبونه من إحسانه وإكرامه" انتهى من تفسير المنار (11/ 252).
وعليه؛ فإن معنى (آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين) أي نختم دعاءنا بحمد الله بحمد الله سبحانه وتعالى الذي وفقنا لهذا الدعاء وأعاننا عليه.
ثانياً:
يطلق على التحميد والتسبيح دعاء، فالحمد في قولنا (وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين) هو ثناء، وهو من جملة دعائنا. فختام الدعاء بهذا الحمد هو من جملة الدعاء.
وقد سبق البيان أن كلمة "الدعاء" تستعمل للدلالة على معنيين اثنين :
1- دعاء المسألة ، وهو طلب ما ينفع ، أو طلب دفع ما يضر ، بأن يسأل الله تعالى ما ينفعه في الدنيا والآخرة ، ودفع ما يضره في الدنيا والآخرة .
كالدعاء بالمغفرة والرحمة ، والهداية والتوفيق ، والفوز بالجنة ، والنجاة من النار، وأن يؤتيه الله حسنة في الدنيا ، وحسنة في الآخرة ... إلخ .
2- دعاء العبادة ، والمراد به أن يكون الإنسان عابداً لله تعالى ، بأي نوع من أنواع العبادات ، القلبية أو البدنية أو المالية ، كالخوف من الله ومحبة رجائه والتوكل عليه ، والصلاة والصيام والحج ، وقراءة القرآن والتسبيح والذكر ، والزكاة والصدقة والجهاد في سبيل الله ، والدعوة إلى الله ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ..... إلخ .
فكل قائم بشيء من هذه العبادات فهو داعٍ لله تعالى .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - في قول الله عزّ وجلّ : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) الأعراف/55-56- :
" هاتان الآيتان مشتملتان على آداب نوعَيِ الدُّعاء : دعاء العبادة ، ودعاء المسألة :
فإنّ الدُّعاء في القرآن يراد به هذا تارةً وهذا تارةً ، ويراد به مجموعهما ؛ وهما متلازمان ؛ فإنّ دعاء المسألة : هو طلب ما ينفع الدّاعي ، وطلب كشف ما يضره ودفعِه ،... فهو يدعو للنفع والضرِّ دعاءَ المسألة ، ويدعو خوفاً ورجاءً دعاءَ العبادة ؛ فعُلم أنَّ النَّوعين متلازمان ؛ فكل دعاءِ عبادةٍ مستلزمٌ لدعاءِ المسألة ، وكل دعاءِ مسألةٍ متضمنٌ لدعاءِ العبادة .
وعلى هذا فقوله : (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فإنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذَا دَعَانِ) يتناول نوعي الدُّعاء... وبكل منهما فُسِّرت الآية . قيل : أُعطيه إذا سألني ، وقيل : أُثيبه إذا عبدني ، والقولان متلازمان." انتهى. انظر: "مجموع الفتاوى" (10/14-15).
وقال القرطبي رحمه الله: "التسبيح والحمد والتهليل قد يسمى دعاء، روى مسلم والبخاري عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: (لا إله إلا الله العظيم الحليم. لا إله إلا الله رب العرش العظيم. لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم).
قال الطبري: كان السلف يدعون بهذا الدعاء، ويسمونه دعاء الكرب.
وقال ابن عيينة وقد سئل عن هذا فقال: أما علمت أن الله تعالى يقول: (إذا شغل عبدي ثناؤه عن مسألتي، أعطيته أفضل ما أعطي السائلين).
والذي يقطع النزاع وأن هذا يسمى دعاء، وإن لم يكن فيه من معنى الدعاء شيء، وإنما هو تعظيم لله تعالى، وثناء عليه: ما رواه النسائي عن سعد ابن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعوة ذي النون إذا دعا بها في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فإنه لن يدعو بها مسلم في شي إلا استجيب له" انتهى من "تفسير القرطبي" (8/ 314).
وينظر للفائدة ما سبق في جواب السؤال رقم (113177) ورقم (318430)
ثالثا:
هل التشبه بقول أهل الجنة يكون بقول (الحمد لله رب العالمين) في خاتمة الدعاء، أم بقول (وآخر دعوانا أن الحمد لله...)؟
الظاهر الأول، ولكن جرت عادة جمع من أهل العلم الختم بقولهم: وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين؛ ولا يظهر في ذلك مانع، إن شاء الله، ما دام ذلك ختام المجلس، أو المقام الذي تقال فيه.
وخلاصة القول: أن معنى (وآخر دعوانا...) أي نختم دعاءنا بالحمد لله، والحمد ثناء، والثناء من جملة الدعاء.
والله أعلم
تعليق