الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

أنفق في علاج أمه مالا كثيرا، فهل له مطالبة الورثة بما دفع؟

465171

تاريخ النشر : 12-12-2023

المشاهدات : 2096

السؤال

٣ أخوة، سنة ٢٠١٥، الأخ الأكبر عالج الأم في مرض الموت بمبلغ كبير بالريال؛ لأنها كانت تعالج عنده في السعودية، بعد الوفاة سُئل مرتين عن المبلغ ليشارك كلُ بنصيبه، فأجاب أنه يحاول الحصول علي خصم، ولم يصرح بنيته إن كان ما دفع تطوعاً أم دين مسترد، ثم خلال السنتين الماضيين فقط صرح برغبته أكثر من مره في استرداد ما دفعه، فلم يعترض أحد، بالعكس سُئل كم المبلغ، وفي المرتين علق الأمر علي إحضار الفواتير من السعودية ليحدد المبلغ، ولما قيل له: إنه لو يتذكر المبلغ فلا حاجة للفواتير، فقال: إنه يفضل إحضار الفواتير. وكان هناك مبنى موروث من الأب، يستكمل الأبناء بنائه بنسب مختلفة، ومن البناء ما كان بعد ٢٠١٥، وعند التقسيم هذه الأيام. يري الأخ الأكبر أن ما أنفقه على العلاج يجب أن يحسب له مساهمة منذ ٢٠١٥ بما يعطيه من حقوق، أو يرد الأخوه له المبلغ بسعر الريال اليوم، وهو ٥ أضعاف ٢٠١٥، قائلا: إنهم طالما اعتبروه دينا وليس مساهمة، فكان واجبهم هم أن يسعوا في قضائه حتى لو لم يسأل هو، واتهم أخاه بأكل ماله؛ حيث استثمره لحسابه في البناء بدلاً من أن يسدده له، مع العلم أن الأم تركت ميراثا يغطي تكاليف العلاج، ويزيد كثيراً لو كان قال وقتها، وكان إخوته في سعة، ولم يكن المبلغ ليمثل شيئا لإخوانه. فما الموقف الشرعي؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

ما أنفقه الابن في علاج أمه فيه تفصيل:

1-فإن كانت لا تملك ثمن العلاج، وكان هو غنيا: وجب عليه ذلك.

فإن كان له إخوة أغنياء: وجب عليهم جميعا الإنفاق، إما بحسب إرثهم، فالذكر ضعف الأنثى، كما هو مذهب الحنابلة، أو بالتساوي كما هو مذهب الحنفية، أو على الذكور فقط، كما هو مذهب الشافعية، أو بحسب غناهم ويسارهم، كما هو مذهب المالكية.

قال ابن قدامة رحمه الله: "وإن اجتمع ابن وبنت، فالنفقة بينهما أثلاثا، كالميراث.

وقال أبو حنيفة: النفقة عليهما سواء؛ لأنهما سواء في القرب...

وقال الشافعي: النفقة على الابن؛ لأنه العصبة" انتهى من "المغني" (8/219).

وقال الخرشي المالكي: "تقدم أن نفقة الوالدين المعسِرين واجبة على أولادهما الموسرين.

واختُلف: هل توزع تلك النفقة على عدد رءوس الأولاد، من غير فرق بين ذكر وأنثى ولا قدر يسار، أو توزع على حسب ميراثهم، فيضعف الذكر على الأنثى، أو توزع على قدر يسارهم؛ الغني بحسب حاله، والفقير بالنسبة لغيره بحسب حاله، كان ذلك الغني ذكرا أو أنثى؟

أقوال ثلاثة، والمذهب: هو القول الثالث".

وقال العدوي في حاشيته عليه (4/204): "(قوله أو اليسار) أي كمن له أولاد ثلاثة، أحدهم يملك ثلثمائة مثلا، والآخر مائتين، والآخر مائة، فعلى صاحب الثلثمائة نصف النفقة، وصاحب المائتين ثلثها، وصاحب المائة سدسها" انتهى.

2-وإن كانت تملك ثمن العلاج، وقد أنفق عليها متبرعا لا ينوي الرجوع عليها بالمطالبة: فليس له الرجوع؛ لتحريم الرجوع في الهبة؛ لما روى البخاري (2589)، ومسلم (1622) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ ).

وفي رواية للبخاري (2622) ( لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ الَّذِي يَعُودُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ ).

وروى أبو داود (3539)، والترمذي (2132)، والنسائي (3690)، وابن ماجه (2377) عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً، أَوْ يَهَبَ هِبَةً، فَيَرْجِعَ فِيهَا؛ إِلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ. وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا، كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَأْكُلُ، فَإِذَا شَبِعَ قَاءَ، ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ ) والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود".

قال ابن قدامة رحمه الله : "( ولا يحل لواهب أن يرجع في هبته , ولا لمُهْدٍ أن يرجع في هديته , وإن لم يُثب عليها )؛ يعني وإن لم يعوض عنها . وأراد من عدا الأب ; لأنه قد ذكر أن للأب الرجوع ... فأما غيره فليس له الرجوع في هبته ولا هديته . وبهذا قال الشافعي وأبو ثور " انتهى من "المغني" (5/397).

3-وإن كانت غنية، وأنفق عليها بنية الرجوع، فله الرجوع عليها، وأمر نيته إلى الله.

وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/205) : " لي والد يناهز من العمر حوالي خمسة وسبعين عاما، ولا زال على قيد الحياة، له بيت مبني من الطين وقديم ، ويقع في مكان مناسب، وقمت بهدم البيت وإعادة بنائه من جديد من المسلح على حسابي أنا ... الخ ".

وجاء في الجواب : " أما ما ذكرته من إنفاقك على بيت أبيك :

فإن كنت متبرعا بذلك في قرارة نفسك وقت الإنفاق : فالله يأجرك، وليس لك الرجوع به على والدك .

وإن كنت أنفقته بنية الرجوع: فلك ذلك" انتهى.

وإذا لم يصدق سائرُ الإخوة أخاهم في نفقته، أو في قدرها، ولم يكن له بينة عليه: فلهم أن يحلفُّوه على ذلك؛ فإن حلف، أخذ ما ادعاه.

قال الدسوقي في "حاشيته على الشرح الكبير" (2/518): " فإذا ادعى المنفق عليه أن الإنفاق صلة، وادعى المنفق أنه لم يقصد صلة، بل قصد الرجوع أو لم يقصد شيئا، فالقول قول المنفق بيمينٍ، زوجة أو غيرها، فيحلف أنه أنفق ليرجع أو أنه أنفق ولم يقصد صلة، ومحل حلفه ما لم يكن أشهد حين الإنفاق أنه أنفق ليرجع، وإلا فلا يمين" انتهى.

وقال الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله في "منظومة أصول الفقه وقواعده":

" ( وكل من يُقْبلُ قولُه: حلف ).

هذه قاعدة: أن كل من قبلنا قوله، فإنه يحلف؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر ). وهذا الحلف يكون أحيانا في جانب المدعي، وأحيانا في جانب المدَّعَى عليه؛ فكل من قوي جانبه، فإن اليمين تكون في حقه". انتهى، من "شرح منظومة أصول الفقه وقواعده" للشيخ ابن عثيمين (279).

وقال أيضا: " كل من قلنا القول قوله في حقوق الآدميين؛ فإنه لابد من اليمين.

أما في حقوق الله: فلا. فمثلاً لو قيل لتاجر أخْرِج زكاتك فقال قد أخرجتها فالقول هنا قوله بلا يمين." انتهى من "التعليق على الكافي" (5/169).

ثانيا:

إن كانت والدتك غنية كما يفهم من سؤالك، وأنفق أخوك بنية الرجوع والمطالبة بما دفع، ثم توفيت الوالدة، كان هذا دينا عليها، يؤخذ من تركتها قبل القسمة، وليس دينا عليكم، فلو لم تترك المتوفاة مالا، لم يلزم ورثتها سداد دينها.

وينظر: جواب السؤال رقم: (43085).

ثالثا:

كان على أخيك المطالبة بالدَّيْن من التركة، ولا يلزمكم السعي في أدائه إلا عند المطالبة.

قال في "كشاف القناع" (3/310): "(ويجب أداء ديون الآدميين على الفور، عند المطالبة) لحديث مطل الغني ظلم .

(ولا يجب) أداء ديون الآدميين (بدونها) أي: بدون المطالبة (على الفور)؛ بل يجب موسعا" انتهى.

رابعا:

ليس لأخيكم اليوم إلا ما دفع، فيأخذه من تركة والدته، فإن كانت التركة قد قسمت، استرده من الورثة.

وليس له اعتبار هذا المال مساهمة في بناء بيت والده، بل لو صرح بذلك بعد الوفاة لم يصح؛ لأن الشركة لا تكون بدين في الذمة، بل تكون بمال حاضر، فكان عليه أن يأخذ دينه من التركة ثم يشارك به في البناء.

جاء في "الموسوعة الفقهية" (26/48) " الشرط الأول: أن يكون رأس المال عينا، لا دينا: لأن التجارة التي بها يحصل مقصود الشركة وهو الربح، لا تكون بالدين. فجعله رأس مال الشركة مناف لمقصودها" انتهى.

وفي "المعايير الشرعية" ص 220: " لا يجوز أن يكون رأس المال ديناً لرب المال على المضارب أو غيره" انتهى.

وينبغي إيقاف أخيكم على حكم المسألة، والتفصيل فيها، والسعي لحل ما بينكم في جو من الألفة والمودة، ومراعاة الرحم.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب