الحمد لله.
اختلف العلماء في حكم التداوي، فذهب جمع من الائمة المحققين إلى وجوب التداوي إذا كان المرض مما تهلك به النفس، أو يتعطل به المرء عن القيام بفرائضه الدينية وواجباته الدنيوية.
فإذا كان مرضك من هذا النوع؛ فيجب عليك التداوي، ولو لزم منه كشف ما يحتاج كشفه من العورة لغرض العلاج.
وقد أجاز العلماء كشف العورة للعلاج في العلاج المباح، فإن كشف العورة من المحرم لغيره، وإذا لم يمكن الوصول إلى الواجب وإقامة الفرض إلا بحصول المحرم لغيره أصبح جائزاً.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وقد يكون منه ما هو واجب، وهو ما يُعلَم أنه يحصل به بقاء النفس لا بغيره، كما يجب أكل الميتة عند الضرورة، فإنه واجب عند الأئمة الأربعة وجمهور العلماء، وقد قال مسروق: من اضطر إلى أكل الميتة، فلم يأكل حتى مات دخل النار، فقد يحصل أحيانًا للإنسان إذا استحرَّ المرض ما إن لم يتعالج معه مات، والعلاج المعتاد تحصل معه الحياة كالتغذية للضعيف، وكاستخراج الدم أحيانًا" انتهى من "مجموع الفتاوى" (18/12).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "إذا غلب على الظن نفع الدواء، مع احتمال الهلاك بتركه، فالتداوي واجب، وإن غلب على الظن نفع الدواء، ولكن ليس هناك احتمال للهلاك بترك الدواء، فالتداوي أفضل" انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (17/13).
وإن كان المرض مما يُحتمل ويطاق، ويستطيع الإنسان معه القيام بأداء فرائضه الدينية وواجباته الدنيوية، جاز للإنسان تركه تصبّراً ورجاء للأجر.
وإن رأيتِ التداوي في هذه الحال، جاز لكِ معه كشف العورة التي تدعو الحاجة إلى كشفها للعلاج.
قال النووي رحمه الله في أحول النظر: "الحال الثاني: إذا احتاج إلى النظر، وذلك في صور.
ومنها: يجوز النظر والمس، للفصد والحجامة، ومعالجة العلة، وليكن ذلك بحضور محرم أو زوج، ويشترط في جواز نظر الرجل إلى المرأة لهذا أن لا يكون هناك امرأة تعالج، وفي جواز نظر المرأة إلى الرجل، أن لا يكون هناك رجل يعالج" انتهى من "روضة الطالبين" (7/ 29).
وقال ابن مفلح رحمه الله:"وللطبيب النظر إلى ما تدعو الحاجة إلى نظره ولمسه..؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لما حكّم سعدا في بني قريظة، فكان يكشف عن مؤْتَزرهم؛ لأنه موضع حاجة" انتهى من "المبدع في شرح المقنع" (6/87).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "كشف المرأة ما يجب عليها ستره من أجل مصلحة الطب ببيان ما فيها من مرض وتشخيصه هذا لا بأس به ، لأنه لحاجة ، والحاجة تبيح مثل هذا المحرم ، إذ القاعدة المعروفة عند أهل العلم : أن ما حرم تحريم الوسائل أباحته الحاجة ، وما حرم تحريماً ذاتياً تحريم المقاصد فإنه لا يبيحه إلا الضرورة ، وذكروا لذلك أمثلة وهي النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه من المرأة للحاجة ، كما يجوز نظر الخاطب إلى ما لا يجوز النظر إليه من أجل مصلحة النكاح" انتهى من "فتاوى نور على الدرب للعثيمين» (9/2 بترقيم الشاملة).
والحاصل:
أنه يجوز كشف العورة لغرض التداوي، ولو لم يخش على نفسه الهلاك، ولم يصل إلى حد الضرورة، بل تكفي الحاجة إلى التداوي، في جواز ذلك.
وإن قوي قلبه وتوكله على الله، ورأى أن بإمكانه تحمل العلة، أو أن يرقي نفسه، أو يتداوى من غير طبيب يتكشف عليه: جاز له ذلك.
ومن وصل إلى حد الضرورة، والخوف من الهلاك، بسبب مرضه: لزمه التداوي الذي يرجو نفعه، ولو ترتب عليه كشف العورة، ولم يكن له أن يدع ذلك.
والله أعلم
تعليق