قَسَّم أراضٍ على أولاده ثم مات أحد الأولاد في حياة أبيه، فهل هي من حق الأحفاد؟

السؤال: 468545

خصّص جدي قطعة أرض؛ لكي يعمر أبناؤه فيها، وأعطى أبي جزءا منها بالكلام لكي يعمرها، ولكن أبي لم يتصرف بها، ثم توفي أبي، وبعده جدي، والآن قام أعمامي بتقسيم الأرض بينهم دون إعطائنا هذا الجزء؛ بذريعة أن أبي لم يتصرف بها، فهل هذه الأرض لنا حق شرعي فيها، أم إنها من نصيب أعمامي وعماتي؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولا :

يجوز للأب أن يوزع أملاكه، كلها أو بعضها، على أولاده، في حياته. وتكون هدية منه لأولاده ، ويجب عليه العدل بينهم .

لما رواه البخاري (2586) ومسلم (1623) عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا فَقَالَ : (أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ ؟) قَالَ: لَا، قَالَ: ( فَارْجِعْهُ ).

ومعنى (نحلت ابني غلاما) أي أعطيته غلاما .

ورواه البخاري (2587) بلفظ : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ ) قَالَ : فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ.

وذهب جمهور العلماء إلى أن العدل أن يسوي بين جميع الأولاد ، ذكورا وإناثا .

وذهب الإمام أحمد إلى أن العدل أن يعطي الذكر ضعف الأنثى ، كما في الميراث ، لأنه لا أعدل من قسمة الله تعالى .

جاء في "الموسوعة الفقهية" (11/360) :

"اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالأْنْثَى مِنَ الأْوْلاَدِ .

فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ مَعْنَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالأْنْثَى مِنَ الأْوْلاَدِ : الْعَدْل بَيْنَهُمْ فِي الْعَطِيَّةِ بِدُونِ تَفْضِيلٍ ؛ لأِنَّ الأْحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالأْنْثَى .

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ ، وَالإْمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ ، وَهُوَ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إِلَى أَنَّ الْمَشْرُوعَ فِي عَطِيَّةِ الأْوْلاَدِ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ : أَيْ لِلذَّكَرِ مِثْل حَظِّ الأْنْثَيَيْنِ ؛ لأِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَسَمَ لَهُمْ فِي الإْرْثِ هَكَذَا ، وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ، وَهُوَ الْعَدْل الْمَطْلُوبُ بَيْنَ الأْوْلاَدِ فِي الْهِبَاتِ وَالْعَطَايَا" انتهى .

وينظر جواب السؤال رقم: (186217) .

ثانيا :

لا تلزم الهبة إلا إذا قبضها الموهوب له ، فإذا مات الواهب قبل القبض ، بطلت الهبة ، وبقيت في ملك الواهب .

جاء في "الشرح الممتع" (11/70-72) للشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" إذا تمت الهبة بالإيجاب والقبول ، بأن قال : وهبتك كتابي الفلاني ، فقال : قبلت ، ولم يسلمه له ، ثم رجع ، فرجوعه جائز ؛ لأن الهبة لا تلزم إلا بالقبض .

والدليل على أن الهبة لا تلزم إلا بالقبض : أن أبا بكر رضي الله عنه ، وهب عائشة رضي الله عنها ثمرة نخل ، ثم لما مرض رجع فيها ، وقال لها : لو أنك جذذتيه كان لك ، أما الآن فهو ميراث ، فدل هذا على أنها لا تلزم إلا بالقبض" انتهى بتصرف يسير .

وينظر جواب السؤال رقم: (238814) .

وقبض الأرض يكون بالتمكين من التصرف بها بلا مانع . وهو ما يعبر عنه العلماء بـ (التخلية).

قال ابن قدامة رحمه الله :

"وَقَبْضُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ ...

وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ ، فَقَبْضُهُ التَّخْلِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُشْتَرِيهِ ، لَا حَائِلَ دُونَهُ ، لِأَنَّ الْقَبْضَ مُطْلَقٌ فِي الشَّرْعِ ، فَيَجِبُ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ ، وَالْعَادَةُ فِي قَبْضِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَا ذَكَرْنَا" انتهى، "المغني" (6/186) .

وقال الرحيباني الحنبلي رحمه الله في " مطالب أولي النهى " (3/153) :

" وقبض أرض وبناء وشجر: بتخلية بائع بينه وبين مشتر بلا حائل ؛ لأن القبض مطلق في الشرع ، فيرجع فيه إلى العرف ، والعرف في ذلك ما سبق .

وفائدة هذا القبض تظهر في رهن وقرض وهبة لمقبوض ، فكل ما قبض بنوع مما ذكر ، يصح رهنه وقرضه وهبته ، كغيره من المملوكات" انتهى.

وقال ابن قدامة رحمه الله:

"وإذا مات الواهب أو الموهوب له قبل القبض ، بطلت الهبة ، سواء كان قبل الإذن في القبض ، أو بعده ...

قال أحمد في رجل أهدى هدية ، فلم تصل إلى المهدَى إليه حتى مات ؛ فإنها تعود إلى صاحبها ما لم يقبضها" انتهى من "المغني" (8/243) .

فإذا كان جدك قد سلم الأرض لأبيك ، وخلى بينه وبينها ، بحيث يمكنه التصرف فيها ، وإذا أراد أن يبنيها فلا يمانعه أحد : فإن القبض يكون قد تم ، ولا يشترط أن يتصرف فيها بالفعل ، بل يكفي أن يكون حصلت التخلية ، وتحديد الأرض ، والتمكين منها .

فإذا كانت الأرض قد تم قبضها بهذا المعنى ، فقد انتقلت ملكيتها إلى أبيكم ، فإذا توفي انتقلت إلى ورثته ، ومنهم والده (جدك) يكون له منها السدس ، والباقي يكون لك ولإخوتك ولوالدتك .

فإذا مات الجد ، فيكون لأعمامك الحق في السدس الذي ورثه من أبيك ، ويسلمون باقي الأرض لكم ، لأنها ملككم .

أما إذا كانت الأرض لم تسلم إلى أبيكم ، ولم يقبضها ، بل بقيت تحت يد الجد ، هو الذي يتصرف فيها ، فإنه بموته تبطل الهبة ، وتبقى الأرض ملكا لجدكم ، فإذا مات الجد اقتسم أولاده هذه الأرض ميراثا ، لأنه لا حق لكم فيها .

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android