روى البخاري (2006)، ومسلم (1132): عن عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قالَ: " ما رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَحَرَّى صِيامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ على غَيْرِهِ إِلَّا هَذا الْيَوْمَ، يَوْمَ عاشُوراءَ، وَهَذا الشَّهْرَ. يَعْنِي شَهْرَ رَمَضانَ".
واسم الإشارة (هذا) في الحديث المذكور: محمول على "العهد الذهني"، في كلا الموضعين؛ فلا يلزم منه أن يكون شهر رمضان ويوم عاشوراء متقاربين في الزمان، فضلا عن أن يكونا متفقين؛ فهذا ما لا يكون؛ فإن رمضان: رمضان. وعاشوراء: في العاشر من شهر الله المحرم.
روى الإمام مسلم (1133): عَنِ الْحَكَمِ بْنِ الْأَعْرَجِ قَالَ: " انْتَهَيْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ رِدَاءَهُ فِي زَمْزَمَ فَقُلْتُ لَهُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ فَقَالَ: إِذَا رَأَيْتَ هِلَالَ الْمُحَرَّمِ فَاعْدُدْ، وَأَصْبِحْ يَوْمَ التَّاسِعِ صَائِمًا، قُلْتُ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُهُ قَالَ: نَعَمْ".
قال العيني، في شرح حديث آخر، فيه الإشارة إلى رمضان: "قوله: (هذا الشهر) أي: شهر رمضان من السنة، أي: من كل سنة إذ اللام للعهد. والإشارة فيه لنوع هذا الشهر لا لشخص ذلك الشهر بعينه". انتهى، "عمدة القاري" (2/ 21).
ويحتمل أن يكون (العهد) فيهما هنا ، أو في أحدهما فقط: هو (العهد الذكري)؛ بمعنى أن يكون الشهر أو اليوم قد ذكرا في كلام سابق في الحديث، أو في سؤال عنه، ثم وقع الكلام عنهما بالإشارة، لقرب ذكرهما.
وهذا يشهد له لفظ الحديث عند الإمام مسلم (1132): عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، وَسُئِلَ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ فَقَالَ:" مَا عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَامَ يَوْمًا يَطْلُبُ فَضْلَهُ عَلَى الْأَيَّامِ إِلَّا هَذَا الْيَوْمَ وَلَا شَهْرًا إِلَّا هَذَا الشَّهْرَ، يَعْنِي: - رَمَضَانَ - ".
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" قوله: ( وَهَذَا الشَّهْرُ يَعْنِي: شَهْرَ رَمَضَانَ ) كذا ثبت في جميع الرّوايات، وكذا هو عند مسلم وغيره، وكأنّ ابن عبّاس اقتصر على قوله: ( وهذا الشّهر ) وأشار بذلك إلى شيء مذكور، كأنّه تقدّم ذكر رمضان وذكر عاشوراء، أو كانت المقالة في أحد الزّمانين وذكر الآخر، فلهذا قال الرّاوي عنه: يعني رمضان.
أو أخذه الرّاوي من جهة الحصر في أن لا شهر يصام إلّا رمضان؛ لما تقدّم له عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَان يقول: ( لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَامَ شَهْرًا كَامِلًا إِلَّا رَمَضَانَ ) " انتهى. "فتح الباري" (4 / 249).
ولمزيد الفائدة حول تاريخ عاشوراء في الإسلام والأديان السابقة تحسن مطالعة جواب السؤال رقم: (128633).
وعن سبب صيام عاشوراء جواب السؤال رقم: (303756).
وعن فضل صيام عاشوراء جواب السؤال رقم: (21775).
وعن أحكام ومسائل في صيام عاشوراء المقالة رقم: (64).
الخلاصة:
استعمال ابن عباس رضي الله عنهما اسم الإشارة للقريب (هَذا) عند كلامه عن عاشوراء وشهر رمضان؛ لا يعني تقاربهما أو اشتراكهما في الزمن؛ فعاشوراء في شهر محرم، فهو بعيد في الزمن عن شهر رمضان.
والله أعلم.