الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

هل لمريض الزهايمر أجر، وهل يكتب له أجر أعماله التي كان يعملها قبل؟

471198

تاريخ النشر : 10-12-2023

المشاهدات : 4003

السؤال

ماتت قريبة لي، وكانت رحمها الله تعالى مريضة بالزهايمر، لا تعقل شيئا مدة ست سنين، وأبناؤها يقومون على شؤونها بشكل تام؛ لملازمتها الفراش في سنتها الأخيرة . قال قائلٌ: السنين الستة الأخيرة من عمرها لا ثواب لها فيها ولا عقاب، لكون العقل هو مناط التكليف، وإنما ابتلى الله تعالى بها أبناءها ليعلم البارّ من العاق. فهل كلامه صحيح؟ أم إن مرض الزهايمر من الأمراض التي يُكتب لصاحبها ما كان يعمل قبله صحيحا مُقيما؟ وهل هو كفارة لصاحبه يُؤجر عليه رغم كونه لا يعقل فلا يُعلم أصَبَر أم جزع؟

ملخص الجواب

مرض الزهايمر كفارة لصاحبه إن شاء الله، وله أجر البلاء، كما أنّ له أجر ما اعتاد عمله من الأعمال الصالحة قبل إصابته بالمرض.

الجواب

الحمد لله.

أولاً:

داء الزهايمر هو مرض مدمر للأعصاب، يؤدي إلى ضمور المخ تدريجيا، يؤثر على أجزاء من المخ مسؤولة عن الذاكرة والمعلومات، يبدأ المرض بشكل خفي، ويتطور نحو تدهور تدريجي، يقود في نهاية المطاف إلى فقدان الذاكرة.

ومريض الزهايمر غالباً يمر بثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: وأعراضها الذهنية: نسيان الأحداث القريبة، وتكرار الكلام، وصعوبة التخطيط للمستقبل.

المرحلة الثانية: المتوسطة: وأعراضها الذهنية: ضعف التفكير المجرد، وصعوبة التعرف على الاتجاهات، ووضوح مشكلة الذاكرة، ويحتاج لمساعدة الآخرين في القدرات الوظيفية، مثل ارتداء الملابس وتناول الطعام.

المرحلة الثالثة: المتأخرة وأعراضها الذهنية: النسيان شبه التام، وفقدان الذاكرة.

 وحديثنا حول المرحلة الثالثة، كما هو الشخص المذكور في السؤال.

ثانياً:

بخصوص حصول الثواب والعقاب لمريضة الزهايمر في مرحلته المتأخرة -كما هو حال الشخص المذكور في السؤال-، فليس لها ولا عليها في الأعمال المتعلقة بذمة المكلفين؛ لارتفاع سبب التكليف.

ولكن لها أجر البلاء وتكفير السيئات، وهو أجر زائد على أجر الصبر عند البلاء، ولا يفتقر إلى عمل أو نية.

ففي الحديث عن عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: ما مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلَّا كفَّر اللَّهُ بها عنه، ‌حتى ‌الشوكة يُشاكها البخاري (5317) وفي رواية مسلم ما من شيء يصيب المؤمن، ‌حتى ‌الشوكة تصيبه، إلا كتب الله له بها حسنة، أو حطت عنه خطيئة مسلم (2572).

قال ابن حجر رحمه الله: "الأحاديث الصحيحة صريحة في ثبوت الأجر بمجرد حصول المصيبة، وأما الصبر والرضا فقدر زائد، يمكن أن يثاب عليهما زيادة على ثواب المصيبة.

قال القرافي المصائب كفارات جزما، سواء اقترن بها الرضا أم لا، لكن إن اقترن بها الرضا عظم التكفير، وإلا قل ... والتحقيق أن المصيبة كفارة لذنب يوازيها، وبالرضا يؤجر على ذلك، فإن لم يكن للمصاب ذنب عوض عن ذلك من الثواب بما يوازيه" انتهى من "فتح الباري لابن حجر" (10/105).

 ورواية مسلم تدل على أن فضل الله أوسع، وأن الأجر حاصل كما هو التكفير.

ثالثاً:

ظاهر الأدلة تدل على أنّ من أصيب بالزهايمر، وكان له عادة من عمل صالح: أنه يكتب له أجر ذلك العمل، عند إصابته بالزهايمر، فهو مرض يدخل ضمن عموم لفظ الحديث الوارد عن أبي بردة قال: سمعت أبا موسى مرارا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم:  إذا ‌مرض ‌العبد، أو ‌سافر، كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا البخاري (2834).

قال الشافعي رحمه الله في تفريقه بين السكران والمجنون المغلوب على عقله: "المريض مأجور ومكفر عنه بالمرض، مرفوع عنه القلم إذا ذهب عقله، وهذا -السكران- آثم مضروب على السكر غير مرفوع عنه القلم، فكيف يقاس من عليه العقاب بمن له الثواب؟" انتهى من "الأم" للإمام الشافعي (5/ 270).

وقال ابن عابدين رحمه الله:

" الدعاء بإعظام الأجر المروي عنه صلى الله عليه وسلم لما عزى معاذا بابن له: يقتضي ثبوت الثواب على المصيبة.

وقد قال المحقق ابن الهمام في المسايرة. قالت الحنفية: ما ورد به السمع من وعد الرزق، ووعد الثواب على الطاعة، وعلى ألم المؤمن، وألم طفله، حتى الشوكة يشاكها: محض فضل وتطوُّلٍ منه - تعالى - لا بد من وجوده لوعده الصادق. اهـ.

وهل يشترط للثواب الصبر أم لا؟

قال ابن حجر: وقع للعز ابن عبد السلام أن المصائب نفسها لا ثواب فيها، لأنها ليست من الكسب؛ بل في الصبر عليها. فإن لم يصبر كفرت الذنب؛ إذ لا يُشترط في المكفِّر أن يكون كسبا، كالبلاء، فالجزع لا يمنع التكفير بل هو مصيبة أخرى.

ورُدَّ بتصريح الشافعي رحمه الله: بأن ‌كُلًّا ‌من ‌المجنون والمريض المغلوب على عقله: مأجور مثاب، مكفَّرٌ عنه بالمرض. فحَكم بالأجر، مع انتفاء العقل المستلزم لانتفاء الصبر. ويؤيده خبر الصحيحين: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه، مع الحديث الصحيح إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمله صحيحا مقيما؛ ففيه: أنه يحصل له ثواب مماثل لفعله الذي صدر منه قبلُ، بسبب المرض، فضلا من الله تعالى.

فمن أصيب وصبر يحصل له ثوابان: لنفس المصيبة، والصبر عليها.

ومن انتفى صبره: فإن كان لعذر، كجنون: فكذلك. أو لنحو جزع: لم يحصل من ذينك الثوابين شيء اهـ ملخصا.

وحاصله: اشتراط الصبر للثواب على المصيبة؛ إلا إذا انتفى لعذر كجنون.

وأما التكفير بها: فهو حاصل بلا شرط". انتهى، من "حاشية ابن عابدين" (2/240).

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب