الحمد لله.
ورد الفضل في التنافس على الصف الأول فالأول وراء الإمام.
روى البخاري (615)، ومسلم (437) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا! وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ! وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا.
وروى مسلم (438) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا فَقَالَ لَهُمْ: تَقَدَّمُوا فَائْتَمُّوا بِي، وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ. لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللهُ.
وقد ورد في فضل الدنو من الإمام يوم الجمعة، خاصة: ما رواه سمرة بن جندب، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: ( احضروا الذكر، وادنوا مِن الإمام فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخرَ في الجنَّة وإن دخلها ) رواه أبو داود (1108)، وقال الشيخ الألباني، رحمه الله: "إسناده صحيح، وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم"، ووافقه الذهبي" انتهى، من "صحيح سنن أبي داود ط غراس"(4/ 271).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" أما صلاة الجمعة وغيرها: فعلى الناس أن يسدوا الأول فالأول، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قالوا: وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ: يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ ). فليس لأحد أن يسد الصفوف المؤخرة مع خلو المقدمة، ولا يصُفُّ في الطرقات والحوانيت مع خلو المسجد... بل إذا امتلأ المسجد بالصفوف، صفوا خارج المسجد، فإذا اتصلت الصفوف حينئذ في الطرقات والأسواق صحت صلاتهم... " انتهى من "مجموع الفتاوى" (23 / 209 – 210).
واستحب أهل العلم ميمنة الصف، ومما استدلوا به ما رواه الإمام مسلم (709) عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَحْبَبْنَا أَنْ نَكُونَ عَنْ يَمِينِهِ يُقْبِلُ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ. قَالَ: فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: رَبِّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ .
واستحبوا القرب من الإمام، كما في حديث أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلَاةِ وَيَقُولُ: اسْتَوُوا، وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ. لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ رواه الإمام مسلم (432).
قال ابن الجوزي، رحمه الله: " وَإِنَّمَا أَمر بِهَذَا لثَلَاثَة معَان: أَحدهَا: تَفْضِيلهمْ بالتقدم. الثَّانِي: ليعقلوا عَنهُ مَا ينْقل من فعله. وَالثَّالِث: لِأَنَّهُ رُبمَا احْتَاجَ إِلَيْهِم إِمَّا بتذكيره مَا أخل بِهِ أَو فِي استنابتهم إِن نابه أَمر. وَفِي تقديمهم تَعْلِيم للناقصين التأدب بالتأخر وَقَوله: " ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ " أَي فِي الْمنزلَة وَالْقدر". انتهى، من "كشف المشكل" (1/327).
وقد قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" هل الأفضل الأيمن مطلقاً أي: من الصف أو إذا بَعُدَ فاليسار أفضل منه إذا كان أقرب؟
الجواب: اليسار أفضل إذا كان أقرب إلى الإمام، ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يقل: أتموا الأيمن فالأيمن، إنما قال: (أتموا الأول فالأول)، ولذلك نقول في الأول والثاني: الأول أفضل من الثاني، وإن كان الثاني خلف الإمام، والأول في طرف الصف، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر أن نكمل الأول فالأول، أما اليمين فلم يقل: أتموا الأيمن فالأيمن، ولو كان الأيمن أفضل مطلقاً لقال: أتموا الأيمن فالأيمن، وعلى هذا فنقول: إذا تقارب اليمين والشمال فاليمين أفضل، وإذا تساوى اليمين والشمال، فاليمين أفضل، أما مع البعد فاليسار أفضل؛ وذلك لدنوه من الإمام، والدنو من الإمام معتبر شرعا " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (215 / 10 بترقيم الشاملة).
والخلاصة:
أن التنافس على الصفوف الأولى، والدنو من الإمام أمر مستحب، ففضل الصف الأول أفضل من الثاني، والثاني أفضل من الثالث، وهكذا.
وميمنة الصف الأول أفضل من ميسرته، لكن ميسرة الصف المتقدم خير من ميمنة الصف المتأخر، والتأخر مع القدرة على التقدم مذموم.
والله أعلم.
تعليق