السبت 22 جمادى الأولى 1446 - 23 نوفمبر 2024
العربية

هل أوصت فاطمة رضي الله عنها بمنع من أغضبها من حضور جنازتها؟

472425

تاريخ النشر : 15-11-2023

المشاهدات : 6420

السؤال

لم تحيا فاطمة أكثر من خمسة وسبعين يومًا بعد وفاة والدها، لفظت أنفاسها الأخيرة في الرابع عشر من جمادى الأول 11 هـ، وقبل وفاتها، أخبرت زوجها عليا وصيتها، هكذا: "يا علي، ستؤدي شخصياً شعيرة الجنازة، لا ينبغي لمن أغضبني أن يحضروا جنازتي، ينبغي نقل جثتي إلى المقبرة ليلاً". هل كل هذا صحيح من الطبري؟

الجواب

الحمد لله.

الثابت أن فاطمة رضي الله عنها عاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستة أشهر، ثم توفيت، ودفنت ليلا، ولم يُعلم عليٌ أبا بكر بوفاتها رضي الله عنهم أجمعين.

روى البخاري (4240)، ومسلم (1759) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنه: " أَنَّ فَاطِمَةَ عليها السلام، بِنْتَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ وَفَدَكَ، وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ.

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْمَالِ)، وَإِنِّي وَاللهِ لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صَدَقَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ حَالِهَا الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ، وَلَأَعْمَلَنَّ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى فَاطِمَةَ مِنْهَا شَيْئًا.

فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ، فَهَجَرَتْهُ فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ.

وَعَاشَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ ‌دَفَنَهَا زَوْجُهَا عَلِيٌّ لَيْلًا، وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ، وَصَلَّى عَلَيْهَا ...).

أما دفنها ليلا، فورد أن ذلك بوصية منها، ولعل ذلك زيادة منها في التستر رضي الله عنها.

قال ابن حجر رحمه الله تعالى:

" قوله: (دفنها زوجها علي ليلا، ‌ولم ‌يؤذن ‌بها ‌أبا ‌بكر) روى ابن سعد من طريق عمرة بنت عبد الرحمن أن العباس صلى عليها، ومن عدة طرق أنها دُفنت ليلا، وكان ذلك بوصية منها؛ لإرادة الزيادة في التستر " انتهى من "فتح الباري" (7 / 494).

وأما عدم إعلام أبي بكر رضي الله عنه، فلم يثبت أن ذلك بأمر من فاطمة رضي الله عنها، وليس هناك ما يدل على عدم حضوره رضي الله عنه لجنازتها، بل قيل إنه هو من صلى عليها.

قال ابن هبيرة رحمه الله تعالى:

" وأما ما ذكرته عائشة من أن عليا دفن فاطمة ليلا، ‌ولم ‌يؤذن ‌بها ‌أبا ‌بكر: فقد روي أن أبا بكر هو الذي صلى عليها، وإن كان دَفَنها ليلا؛ فلعله بوصية منها؛ إيثارا للخَفَر" انتهى من "الإفصاح" (1 / 74).

و"الخَفَر": شدة التستر.

وقال أبو العباس القرطبي رحمه الله تعالى:

" ودفْنُ علي لفاطمة ليلا، يحتمل أن يكون ذلك مبالغة في صيانتها.

وكونه لم يؤذن أبا بكر بها؛ لعله إنما لم يفعل ذلك لأن غيرَه قد كفاه ذلك، أو خاف أن يكون ذلك من باب النعي المنهي عنه، وليس في الخبر ما يدل على: أن أبا بكر لم يعلم بموتها، ولا صلّى عليها، ولا شاهد جنازتها، بل اللائق بهم، المناسب لأحوالهم: حضور جنازتها، واغتنام بركتها، ولا تسمع أكاذيب الرَّافضة المبطلين، الضالين، المضلين " انتهى من "المفهم" (3/ 569).

فلم يثبت أن فاطمة رضي الله عنها أَمرت بدفنها ليلا لأجل منع أبي بكر من حضور جنازتها.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" وكذلك ما ذكره من إيصائها أن تدفن ليلا ولا يصلي عليها أحد منهم، لا يحكيه عن فاطمة ويحتج به إلا رجل جاهل، يُطَرِّق على فاطمة ما لا يليق بها. وهذا لو صح لكان بالذنب المغفور أولى منه بالسعي المشكور، فإن صلاة المسلم على غيره زيادة خير تصل إليه، ولا يضر أفضل الخلق أن يصلي عليه شر الخلق، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عليه ويسلم عليه الأبرار والفجار بل والمنافقون، وهذا إن لم ينفعه، لم يضره، وهو يعلم أن في أمته منافقين، ولم ينه أحدا من أمته عن الصلاة عليه، بل أمر الناس كلهم بالصلاة والسلام عليه، مع أن فيهم المؤمن والمنافق، فكيف يذكر في معرض الثناء عليها والاحتجاج لها: مثلُ هذا الذي لا يحكيه ولا يحتج به إلا مُفْرِط في الجهل، ولو وصى مُوَصٍّ بأن المسلمين لا يصلون عليه، لم تنفذ وصيته، فإن صلاتهم عليه خير له بكل حال.

ومن المعلوم أن إنسانا لو ظلمه ظالم، فأوصى بأن لا يصلي عليه ذلك الظالم، لم يكن هذا من الحسنات التي يُحمد عليها، ولا هذا مما أمر الله به ورسوله. فمن يقصد مدح فاطمة وتعظيمها، كيف يذكر مثل هذا الذي لا مدح فيه، بل المدح في خلافه، كما دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع؟ ! " انتهى من "منهاج السنة" (4/247).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب