السبت 18 شوّال 1445 - 27 ابريل 2024
العربية

ما حكم الدعاء بقوله: اللهم أخرجني من حولي إلى حولك ومن ضعفي إلى قوتك؟

477189

تاريخ النشر : 19-02-2024

المشاهدات : 2913

السؤال

هل يجوز الدعاء ب" اللهم أخرجني من حولي إلى حولك، ومن ضعفي إلى قوتك، ومن ضيق اختياري إلى براح إرادتك"؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

روى البخاري: (4205)، ومسلم (2704) عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ:

" لَمَّا غَزَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ، أَوْ قَالَ: لَمَّا تَوَجَّهَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أَشْرَفَ النَّاسُ عَلَى وَادٍ، فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، إِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا، وَهُوَ مَعَكُمْ.

وَأَنَا خَلْفَ دَابَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَمِعَنِي وَأَنَا أَقُولُ: ‌لَا ‌حَوْلَ ‌وَلَا ‌قُوَّةَ ‌إِلَّا ‌بِاللهِ، فَقَالَ لِي: (يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ)، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ، قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، قَالَ: ‌لَا ‌حَوْلَ ‌وَلَا ‌قُوَّةَ ‌إِلَّا ‌بِاللهِ .

قال ابن بطال، رحمه الله في "شرح صحيح البخاري" (10/140):

«ومعنى: ( لا حول ولا قوة إلا بالله ): لا حول عن معاصى الله إلا بعصمة الله، ولا قوة على طاعة الله إلا بالله، قال النبى صلى الله عليه وسلم : (كذلك أخبرنى جبريل عن الله تعالى) .

وروى عن علىّ بن أبى طالب تفسير آخر، قال : تفسيرها: أنا لا نملك مع الله شيئًا، ولا نملك من دونه شيئًا، ولا نملك إلا ما ملَّكَنا مما هو أملك به منا.

وحكى أهل اللغة أن معنى لا حول: لا حِيلة، يقال: ما للرجل حيلة ولا قوة، ولا احتيال ولا مُحْتال ولا مَحَالة ولا مِحال، وقوله: (وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ) [الرعد: 13] ، يعنى المكر والقوة والشدّة».

وقال النووي، رحمه الله في "شرح مسلم" (17/ 26):

«قوله صلى الله عليه وسلم: ( ‌لا ‌حول ‌ولا ‌قوة ‌إلا ‌بالله كنز من كنوز الجنة ) : قال العلماء سبب ذلك أنها كلمة استسلام وتفويض إلى الله تعالى ، واعتراف بالإذعان له ، وأنه لا صانع غيرُه ، ولا راد لأمره ، وأن العبد لا يملك شيئا من الأمر.

ومعنى الكنز هنا : أنه ثواب مدخر في الجنة ، وهو ثواب نفيس ، كما أن الكنز أنفس أموالكم.

قال أهل اللغة: الحَوْلُ: الحركة والحِيلة، أي: لا حركة ولا استطاعة ولا حيلة؛ إلا بمشيئة الله تعالى. وقيل: معناه: لا حول في دفع شر، ولا قوة في تحصيل خير إلا بالله.

وقيل: لا حول عن معصية الله إلا بعصمته، ولا قوة على طاعته إلا بمعونته. وحكي هذا عن بن مسعود رضي الله عنه. وكله متقارب "انتهى.

فتبين بما سبق تقرير أمر عظيم، وهو أن للعبد قوة، وحيلة، واستطاعة، وقدرة على تدبير أمره، خيره أو شره، طاعته أو معصيته، وبتمكينه من ذلك: كان مكلفا محاسبا، يثاب على طاعته، ويعاقب على معصيته، ويحاسب على عمله كله.

غير أن هذه القدرة والقوة والاستطاعة: إنما هي من خلق الله عز وجل في عبده، وعطائه إياه، وابتلائه له بذلك ، ولو شاء الله عز وجل ما أطاع الطائع، ولا عصى العاصي.

قال الله تعالى: إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) التكوير/27-29.

فأثبت لهم مشيئة، وسعيا، واستقامة، وبين لهم أن مشيئة الله جل جلاله: سابقة لذلك كله، مهيمنة على أمر الخلائق كلهم.

ومن فوائد ذلك المشهد: أن يخرج العجب من قلب العبد بعمله؛ فإنه ما عمله إلا بمعونة الله ولطفه وفضله. وأن يخرج من قلبه خوف الخلائق في ذات الله وأمره، فإنهم لا يخرجون من قبضته وسلطانه، ولا يقدرون على شيء لم يقدرهم الله تعالى عليه؛ فلا يرجو العبد الخلائق، ولا يخافهم في الله ؛ إنما يرجو الله ، ويسأله ، ويتوكل عليه ، ويخافه ، ويعظم مقامه سبحانه.

قال النبي صلى الله عليه وسلم :  إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ  رواه الترمذي (2516) من حديث ابن عباس، وقاله: "حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ". وصححه الألباني.

قال الوزير ابن هبيرة، رحمه الله في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (1/ 356):

«وقوله: (‌لا ‌حول ‌ولا ‌قوة ‌إلا ‌بالله): في هذا نفي قوة القائل وقدرته إلا بالله، فقد تبرأ قائلها من العُجْب بعمله.

وفيها معنى آخر: لا حول لأحد يقصد الأذى، ولا قوة إلا بالله، فيوجب هذا الاعتقاد خروج خوف الخلق من المقر بذلك» انتهى.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله، في "مجموع الفتاوى" (14/ 341):

«والمقصود هنا: أنه إذا عرف أن النعم كلها من الله، وأنه لا مقدر أن يأتي بها إلا الله، فلا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يذهب السيئات إلا هو، وأنه ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده = صار توكله ورجاؤه ودعاؤه للخالق وحده.

وكذلك إذا علم ما يستحقه الله من الشكر - الذي لا يستحقه غيره = صار علمه بأن الحسنات من الله: يوجب له الصدق في شكر الله والتوكل عليه.

ولو قيل: إنها من نفسه لكان غلطا؛ لأن منها ما ليس لعمله فيه مدخل، وما كان لعمله فيه مدخل: فإن الله هو المنعم به؛ فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله، ولا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه.

وعلم أن الشر قد انحصر سببه في النفس، فضبط ذلك وعلم من أين يؤتى؛ فاستغفر ربه مما فعل، وتاب، واستعان الله، واستعاذ به مما لم يعمل بعد، كما قال من قال من السلف: (لا يرجون عبد إلا ربه، ولا يخافن عبد إلا ذنبه". انتهى.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية، أيضا، كما في "جامع المسائل" (9/ 177):

«فالربُّ تعالى يستحقُّ غاية الحبِّ، وغاية الخضوع، ويستحقُّ أن يكون ذلك خالصًا له لا يُشْرَك فيه غيره، فمن استكبر عن عبادته لم يكن عابدًا له، ومتى عبد معه غيره كان مشركًا به، فلم يكن عابدًا له وحده.

وحبُّ العبد له وخضوعُه له ينافي إرادة العلوِّ في الأرض والفساد؛ فإنه إذا شَهِد العبد أنه العليُّ الأعلى، وأن كلَّ ما سواه مفتقرٌ إليه، وشَهِد فقرَ نفسه وحاجتَه إليه من جهة ربوبيَّته له، ومن جهة إلهيَّته له، فإنه لا بدَّ له من أن يعبده، ولا بدَّ له من إعانة الرب له، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ما لا يكون بالله لا يكون، فليس يوجدُ للعبد ولا لغيره شيءٌ إلا به.

وهذا تحقيق "لا حول ولا قوَّة إلا بالله"، فكل ما سواه فقيرٌ إليه دائمًا، وهو غنيٌّ عن كل ما سواه دائمًا، والعبد لا يصلح إن لم يكن الربُّ معبوده وهو غاية محبوبه ومطلوبه، وإلا فكلُّ عملٍ لا يراد به وجهُ الله فهو فاسدٌ ضارٌّ لا ينفعُ صاحبه. فكما أنه ما لا يكونُ به لا يكون، فما لا يكون له، لا ينفع ولا يدوم ، ولهذا أُمِرْنا أن نقول في كلِّ صلاة: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5].

فشهودُ العبد هذا ينفي أن يريد علوًّا في الأرض أو فسادًا، ويستلزم أن يكون من المتقين؛ فإن شهود العبد لحقيقة حاجته وفقره: يمنع عنه العلوَّ، وشهوده لحاجته إلى ما ينفعه ينفي عنه إرادة ما يضرُّه، ولكن هو جاهلٌ ظالم، وقلبه يغفل عن الله فيتبع هواه، قال الله تعالى: وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف: 28] ، وقال تعالى: نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ [الحشر: 19] ، فهو بغفلته عن ذكر ربه، ونسيانه إياه، ينسى نفسَه وحاجتَها ومصلحتها، فهو في غاية الفقر والحاجة". انتهى.

وينظر أيضا، للفائدة: "الفوائد لابن القيم"، ط عطاءات العلم (71).

ثانيا:

إذا تبين ذلك، فقد تقرر بهذه الكلمة العظيم أصل كبير، وهو أن للعبد "قوة" و"حيلة" و"تدبيرا" لأمره، وهو محل التكليف، لا ينفى ذلك عنه بالكلية، ولا يثبت له ذلك استقلالا؛ بل كل شيء فمن الله، وبالله.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله، في "مجموع الفتاوى" (5/574):

«فلفظ الحول: يتناول كل تحول من حال إلى حال. والقوة: هي القدرة على ذلك التحول.

فدلت هذه الكلمة العظيمة على أنه ليس للعالم العلوي والسفلي حركة وتحول من حال إلى حال، ولا قدرة على ذلك؛ إلا بالله.

ومن الناس من يفسر ذلك بمعنى خاص، فيقول: لا حول من معصيته إلا بعصمته، ولا قوة على طاعته إلا بمعونته.

والصواب الذي عليه الجمهور: هو التفسير الأول، وهو الذي يدل عليه اللفظ؛ فإن الحول لا يختص بالحول عن المعصية، وكذلك القوة لا تختص بالقوة على الطاعة؛ بل لفظ الحول يعم كل تحول. ومنه لفظ " الحيلة "، ووزنها فِعْلَة، بالكسر؛ وهي النوع المختص من الحول ... قال تعالى: إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلةً: من الحِيَل؛ فإنها نكرة في سياق النفي، فتعم جميع أنواع الحيل.

وكذلك لفظ "القوة". قال تعالى: الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة. ولفظ القوة قد يراد به ما كان في القدرة أكمل من غيره؛ فهو قدرة أرجح من غيرها، أو القدرة التامة. ولفظ "القوة" قد يعم القوة التي في الجمادات، بخلاف لفظ القدرة؛ فلهذا كان المنفي بلفظ القوة أشمل وأكمل. فإذا لم تكن قوة إلا به، لم تكن قدرة إلا به بطريق الأولى. وهذا باب واسع." انتهى.

وإذا تبين أن للعبد قوة ، وحيلة ، وقدرة : لم يصح نفي ذلك واقعا وقدرا ؛ فإن هذا غلو باطل ، ومناقضة لضرورات الشرع والعقل، أشبه بالسفسطة الباطلة.

قال شيخ الإسلام رحمه الله، كما في "مجموع الفتاوى" (8/ 375):

«فإن العبد محدث لأفعاله، كاسب لها. وهذا الإحداث مفتقر إلى محدِث؛ فالعبد فاعل صانع محدث. وكونه فاعلا صانعا محدثا، بعد أن لم يكن: لا بد له من فاعل، كما قال: لمن شاء منكم أن يستقيم، فإذا شاء الاستقامة صار مستقيما، ثم قال: وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين . فما علم بالاضطرار، وما دلت عليه الأدلة السمعية والعقلية: كله حق.

ولهذا كان: ‌لا ‌حول ‌ولا ‌قوة ‌إلا ‌بالله، والعبد فقير إلى الله فقرا ذاتيا له في ذاته وصفاته وأفعاله، مع أن له ذاتا وصفات وأفعالا.

فنفي أفعاله، كنفي صفاته وذاته؛ وهو جحد للحق، شبيه بغلو غالية الصوفية الذين يجعلونه هو الحق.

وجعل شيء منه مستغنيا عن الله، أو كائنا بدونه: جحد للحق شبيه بغلو الذي قال: أنا ربكم الأعلى وقال إنه خلق نفسه وإنما الحق ما عليه أهل السنة والجماعة". انتهى.

وإذا كان للعبد قوة تليق به ، وهي في جنب الله : ضعف ، وفقر إليه ، وإلى خلقه وعونه : لم يكن من المشروع للعبد أن يسأل ربه أن يخرجه من قوته بالكليلة ، فيصبح كالريشة في مهب الريح ، فإن مناط التكليف إنما هو بهذه القوة ، والقدرة ، والاستطاعة ، والتمكين ، والاختيار .

ولم يكن مشروعا له أيضا أن يسأله أن ينقله من حال الضعف التي عليها الخلائق كلهم ، إلى قوة الله جل جلاله ، ومن الفقر الذي هو سمة للعبودية ، إلى غنى الله تعالى الذي هو وصفه الذاتي الخاص به سبحانه .

وإنما المشروع للعبد أن يتوكل عليه ، وأن يستعين به سبحانه في عمله كله ، في عباداته ، وسائر سعيه ، وأن يتعلق بهذه الكلمة المباركة الطيبة ، التي هي كنز من كنوز الجنة : ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) ؛ فيعلم أنه لا حيلة له، ولا قدرة على شيء من عمله ولا سعيه إلا بعون الله جل جلاله، وتوفيقه. ولا تحول له من حال إلا حال ، إلا بتقدير الله عز وجل ذلك لعبده ، ومشيئته ؛ فما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن .

والحاصل:
أن المشروع للعبد أن يتوكل على الله، ويفوض إليه أمره، ويسأله أن يلهمه رشده ، ويعيذه من شر نفسه ؛ فإنه لا يخرج من "ضعفه" ، فيسأل الله الإعانة ، ولا يخرج من فقره ، فيسأل الله أن يغنيه من فضله ، ولا يخرج من اختياره بالكلية ، فيفوض أمره إلى الله ، ويسأله الخيرة فيما قدره له .

وترك التكلف في الدعاء هو من محاسن آدابه .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب