أولا :
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر في أكثر من حديث ، ولذلك قال العلماء : إن النذر مكروه ، وذهب بعضهم إلى أنه حرام .
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر ، وقال : إنه لا يردُّ شيئاً ، وإنما يُستخرج به من البخيل) . رواه البخاري ( 6234 ) ومسلم ( 1639 ) .
قال النووي رحمه الله :
"وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يُسْتَخْرَج بِهِ من الْبَخِيل ): فَمَعْنَاهُ : أَنَّهُ لا يَأْتِي بِهَذِهِ الْقُرْبَة تَطَوُّعًا مَحْضًا مُبْتَدِئًا وَإِنَّمَا يَأْتِي بِهَا فِي مُقَابَلَة شِفَاء الْمَرِيض وَغَيْره مِمَّا تَعَلَّقَ النَّذْر عَلَيْهِ" انتهى.
ومن العلل التي من أجلها نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر :
أن الناذر يشق على نفسه ، حيث يلزم نفسه بما لم يكن لازما له ، فيقع في الحرج والضيق ، كما حصل معك ، ويعرض نفسه للوقوع في الإثم إن لم يف بالنذر .
ثانيا :
ومع نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر ، إلا أنه من نذر طاعة لله تعالى فإنه يجب عليه الوفاء بها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (من نذر أن يطيع الله فليطعه) رواه البخاري .
ثالثا :
إذا نذر المسلم ثم شك في مقدار النذر ، فإنه يجتهد ويعمل بما يغلب على ظنه ، سواء كان هو الأقل أم الأكثر .
جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (23/ 266) أن امرأة نذرت أنه إذا شفي ولدها من مرض معين أن تعطي مبلغا معينا ، وعندما شفى الله سبحانه هذا المريض نسيت المرأة كم هذا المبلغ ، وهي الآن متحيرة ؟
فكان الجواب :
" إذا كان الواقع كما ذكر فعليها أن تجتهد ، وتخرج ما غلب على ظنها أنها نذرته ، ثم إذا تذكرت المبلغ فيما بعد : فإن كان أكثر مما أخرجت : وجب عليها إخراج ما يكمل المبلغ المنذور ؛ إبراء لذمتها ، وإن كان ما أخرجته أكثر : كان الزائد صدقة " انتهى .
عبد العزيز بن عبد الله بن باز – عبد الرزاق عفيفي – عبد الله بن غديان – عبد الله بن قعود .
وجاء فيها أيضا (23/ 263) :
" س : رجل نسي كم نذر أن يصوم سبعة أيام أم عشرة كيف يفعل؟ وهل يستطيع يتطوع قبل النذر، أم عليه أن يصوم الواجب قبل التطوع ؟
الجواب : يصوم ما غلب على ظنه من عدد أيام النذر، ولا يلزم بصوم ما شك فيه، ولا يتطوع قبل صيام النذر؛ لأن الوفاء بالنذر واجب " انتهى .
فإن لم يغلب على ظنه شيء ، وبقي مترددا ، فإنه يعمل بالأقل ، لأن هذا هو المتيقن وجوبه ، والزيادة مشكوك في وجوبها ، ومن القواعد المقررة عند العلماء :
أنه لا وجوب مع الشك ، لأن الأصل براءة الذمة .
قال ابن رشد رحمه الله في "البيان والتحصيل" (1/47) :
"الأصل براءة الذمة من العبادات ، فلا يجب منها شيء على أحد إلا بيقين" انتهى .
ولذلك قال العلماء فيمن نذر نسكا ، ونسيه ، هل كان حجا أم عمرة ؟ إنه يجعله عمرة ، لأنها الأقل ، فهي اليقين .
قال الشيخ مصطفى الرحيباني رحمه الله :
( وَ ) مَنْ أَحْرَمَ ( بِنُسُكٍ وَنَسِيَهُ ) ، أَيْ : مَا أَحْرَمَ بِهِ ، أَوْ نَسِيَ مَا نَذَرَهُ ( قَبْلَ طَوَافٍ ، صَرَفَهُ لِعُمْرَةٍ نَدْبًا ) ، لِأَنَّهَا الْيَقِينُ " انتهى ."مطالب أولي النهى" (2/318) .
فعلى هذا ، فما دمت مترددة ، فإنك تأخذين بالأقل ، ويكون عليك العدد الذي نذرته من الركعات ، لا من الصلاة .
رابعا :
لا يجوز للمسلم أن يصلي صلاة غير مطمئنة ، فلا يقيم بها الركوع والسجود والاعتدال والجلوس ، بل عدم الاطمئنان في الصلاة يبطلها .
وينظر جواب السؤال رقم: (279587) .
فالواجب عليك أن تفي بنذرك ، وتجتهدي في تحديد أول السنة وآخرها ، فإن تجاوزت السنة فإنك تستمرين في الصلاة والوفاء بالنذر ، وتكفرين كفارة يمين ، للإخلال بالوقت الذي حددت فيه النذر .
وسُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" منذ سنوات طلبت من الله عز وجل إذا أنجبت بالسلامة وعاش الطفل أن أصوم كل يوم إثنين وخميس، ولم أصم حتى الآن إلا العام الماضي فقط، صمت لمدة شهر فقط.
وسؤالي: هل علي ذنب لتأخري في الصيام؟ وهل علي القضاء للأيام والسنوات الماضية؟ وما الذي يجب علي فعله؟
فأجاب:
"... يجب عليها أن تفي بالنذر، وتصوم الإثنين والخميس، وهذا لا يضر إن شاء الله؛ لأنهما يومان في الأسبوع.
وما مضى فإنها تقضيه، وتكفّر كفّارة يمين عن فوات الزمن الذي عينته، فإذا كان مضى عليها أربعون إثنين، وأربعون خميس ، وجب أن تقضي ثمانين يوما، مع كفارة اليمين لفوات الوقت الذي عينته، ثم تستقبل أمرها فتصوم كل يوم اثنين وخميس " انتهى من"فتاوى نور على الدرب" (11/ 579–581).
والخلاصة :
يجب عليك الوفاء بالنذر ، وتجعلي النذر كان عدد ركعات ، لا صلاة ، وإن تجاوزت السنة فعليك كفارة يمين.
والله أعلم .