السبت 22 جمادى الأولى 1446 - 23 نوفمبر 2024
العربية

هل يضمن البائع العيب إذا ظهر بعد انتهاء فترة الضمان التجريبي؟

477956

تاريخ النشر : 31-01-2024

المشاهدات : 1592

السؤال

أعمل في محل لصيانة الجوالات، أقوم بتغيير قطع مثل البطاريات والشاشات، بالنسبة للبطاريات تعطينا شركة القطع ضمانا لمدة أسبوع بعد التركيب، وأنا أعطي نفس المدة للزبون، أما بالنسبة للشاشات فالضمان هو ضمان تجربة فقط ضمن المحل، أحيانا يعود الزبون بعد انتهاء مدة الضمان المتفق عليها، وقد حصلت مشكلة في القطعة المستبدلة، ويصعب علي تحديد سبب المشكلة، هل هو سوء تصنيع أو سوء استخدام. السؤال هو: هل يلزمني في مثل هذه الحالة تغيير القطعة على حسابي أم على حساب الزبون؟ مع العلم إن القطعة تكون سليمة إثناء التركيب، ولا يظهر فيها أي عيب؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

يجوز ضمان عيب السلعة لمدة معينة كأسبوع، ويسمى ضمان الأداء، وهو نوع من ضمان العيب الذي لا يُعلم إلا بالتجربة والاستعلام والاختبار، والعيب الذي يظهر حينئذ يكون من ضمان البائع، كما هو مذهب الحنفية، وقول للمالكية، ومذهب الشافعية، والحنابلة، وقول ابن حزم من الظاهرية.

أو يخرج على أنه من ضمان العيب الحادث عند المشتري، والمستند إلى سبب سابق على القبض.

جاء في كتاب "الحوافز التجارية"، ص 241: "الظاهر - والله أعلم - أن ضمان الأداء يقبل كلا التخريجين؛ فما كان منه متعلقاً بسلامة المبيع من العيوب المصنعّية والفنيّة، فإنه يخرّج على ضمان العيب الذي لا يُعلم إلا بامتحان وتجربة واستعلام، وما كان منه متعلقاً بصلاحية المبيع وقيامه بالعمل، فإنه يُخرّج على ضمان العيب الحادث في المبيع عند المشتري، والمستند إلى سبب سابق؛ لأن عدم صلاحيته ناشئ عن عدم إتقان صنعه" انتهى.

ثم قال مبينا جواز هذا النوع من الضمان: " بعد ما تقدم من عرض ضمان الأداء، ومقصوده، وما يحتمله من تخريجات، فالذي يظهر - والله تعالى أعلم - هو جواز ضمان الأداء، وأنه لا محذور فيه شرعاً، وذلك لما يلي:

أولاً: أن الأصل في المعاملات الحل والإباحة حتى يقوم دليل المنع والتحريم.

ثانياً: أن اشتراط البائع الضمان على نفسه، كما هو الحال في أكثر صور ضمان الأداء، فيه معنى التوثيق؛ لطمأنة المشتري بأنه مسؤول عن جودة سلعته وإتقانها وتلبيتها لحاجات المستهلك، وقيامها بما اشتريت من أجله.

ثالثاً: أن الحاجة داعية إلى مثل هذا الضمان، لاسيما في ظل هذا التنوع الكبير في المنتجات والسلع، ويتبين ذلك بالأوجه التالية.

أن تعرف المستهلك على خصائص السلع واحتمال وجود العيب فيها وقت شرائها يكون متعذراً؛ لعدم توفر الإمكانات الفنيّة اللازمة للقيام بذلك.

أن كثيراً من عيوب السلع دقيقةِ التركيب لا تظهر بمجرد تشغيلها لعرضها على المستهلك، وإنما تظهر عند الاستعمال الفعلي للسلعة" انتهى.

ثانيا:

إذا حدث عيب بعد انتهاء مدة الضمان التجريبي، فتارة لا يحتمل إلا أن يكون عيبا من الصناعة، فضمانه على البائع، وتارة لا يحتمل إلا أن يكون بسبب المشتري، فضمانه عليه.

فإن احتمل الأمرين، فقد اختلف الفقهاء فيمن يُقبل قوله، فذهب الجمهور إلى أن القول قول البائع بيمينه، وذهب الحنابلة إلى أن القول قول المشتري بيمينه.

قال في زاد المستقنع: " وَإِن اخْتَلَفَا عِنْدَ مَنْ حَدَثَ العَيْبُ، فَقَوْلُ مُشْتَرٍ مَعَ يمينِهِ، وَإِن لَمْ يَحْتَمِلْ إِلاّ قَوْلَ أحَدِهِمَا قُبِلَ بِلاَ يَمينٍ" انتهى.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " هذه المسألة، أفادنا المؤلف ـ رحمه الله ـ أنها لا تخلو من حالين:

الحال الأولى: أن يمتنع صدق أحدهما، فهنا القول قول من لا يحتمل قوله الكذب.

الحال الثانية: أن يكون هناك احتمال، فهنا يكون القول قول المشتري.

مثال ما لا يحتمل قولَ البائع: الإصبع الزائدة، فإذا اشترى عبداً فوجد فيه إصبعاً زائدة، فأراد رده، فقال البائع: حدث هذا العيب عندك، وقال المشتري: أبداً، فالقول قول المشتري؛ إذ لا يمكن أن يحدث له إصبع زائدة، ولو أمكن أن يحدث لكان كل إنسان يتوقع أن يحدث له ذلك، وإذا قبلنا قول المشتري فلا يشترط أن يحلف؛ لأنه لا حاجة للحلف.

مثال ما لا يحتمل قولَ المشتري: اشترى بهيمة ثم ردها، والعيبُ الذي فيها جُرْحٌ، ادعاه المشتري فنظرنا إلى الجرح وإذا هو يثعب دماً، جرح طري والبيع له مدة أسبوع، فالقول قول البائع بلا يمين؛ لأنه لا يحتمل أن يكون هذا الجرح قبل العقد.

أما إذا كان يحتمل هذا وهذا، كعرج وفساد في طعام، وما أشبه ذلك فالمؤلف يقول: إن القول قول المشتري.

وعلة ذلك: أن العيب فوات جزء في البيع وهو الكمال، فالمعيب قد فاته الكمال، والأصل عدم قبض هذا الجزء الفائت، والذي يدعي عدم قبضه المشتري، فيكون القول قول المشتري. وهذا وجهه؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: البينة على المدعي واليمين على من أنكر، فالبائع الآن يقول: إني بعت عليك هذا الشيء سليماً، وهو يقول بعته علي معيباً.

والمسألة محتملة: فالقول قول المشتري؛ لأن الأصل عدم قبض هذا الجزء الفائت بالعيب، فيكون المشتري مدعى عليه والبائع مدعياً، وهذه الرواية من مفردات مذهب الإمام أحمد رحمه الله.

والقول الثاني: أن القول قول البائع، وهو مذهب الأئمة الثلاثة ـ رحمهم الله ـ وهو القول الراجح؛ للأثر والنظر، أما الأثر فقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: إذا اختلف المتبايعان فالقول ما قال البائع أو يترادَّان، وهذا نص صريح.

ولأن المشتري مدعٍ أن العيب سابق، حتى على قاعدة الفقهاء، المدعي: من إذا سكت تُرك، والمشتري هنا لو سكت لم يُطالب، والرسول صلّى الله عليه وسلّم يقول: البينة على المدعي، والمدعي هنا بلا شك هو المشتري، فنقول له: إيت ببينة أن العيب حدث عند البائع.

وأما النظر فلأن الأصل عدمُ وجودِ العيب والسلامةُ، ودعوى أن العيب سابق على العقد خلاف الأصل، وإذا كان لا يقبل قول المشتري في أصل العيب، فكذلك لا يقبل قوله في زمن العيب" انتهى من "الشرح الممتع" (8/324).

ثالثا:

قد يتحرج البائع من الحلف أن العيب ليس من الصناعة أي بسبب قديم، لأن الأمر يحتمل ذلك كما يحتمل أن يكون بسبب سوء استعمال المشتري، ولهذا فالمخرج هنا أمران:

1-أن يعرض الأمر على الصانع أو المستورد من الصانع، فإن قبل رجوع السلعة إليه، ردها إليه وأرجع للمشتري الثمن، وبهذا يسلم كلاهما من الحلف، والغالب أن رجوع السلعة إلى المصنع لا ينشأ عنه ضرر كبير.

2-أن يبيع السلعة بشرط البراءة من العيب بعد مدة معينة، وهي مدة التجربة، بل يجوز أن يشترط ذلك من العقد، أي أنه بريء من أي عيب ظهر بعد البيع، فإذا أخذ المشتري السلعة سليمة، ثم ظهر بها عيب، فلا خيار للمشتري.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والصحيح في مسألة البيع بشرط البراءة من كل عيب، والذي قضى به الصحابة وعليه أكثر أهل العلم: أن البائع إذا لم يكن يعلم بذلك العيب فلا رد للمشتري" انتهى من "الاختيارات" (ص 124).

وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: "والصحيح في هذه المسألة: ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية:

وهو: إن كان البائع عالماً بالعيب فللمشتري الرد بكل حال، سواء شرط مع العقد، أو قبل العقد، أو بعد العقد.

وإن كان غير عالم فالشرط صحيح [أي شرط البراءة]، سواء شرط قبل العقد، أو مع العقد، أو بعد العقد.

وما ذهب إليه شيخ الإسلام هو الصحيح، وهو المروي عن الصحابة رضي الله عنهم، وهو الذي يمكن أن تمشي أحوال الناس عليه؛ لأنه إذا كان عالماً بالعيب، فهو غاش خادع، فيعامل بنقيض قصده، بخلاف ما إذا كان جاهلاً، كما لو ملك السيارة قريباً، ولا يدري بالعيوب التي بها وباعها واشترط البراءة، فالشرط صحيح" انتهى من "الشرح الممتع" (8/ 256، 257).

والله أعلم
 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب