الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

إذا قام الفني بإتلاف ما أمر بإصلاحه فهل يضمن؟

478799

تاريخ النشر : 18-02-2024

المشاهدات : 1247

السؤال

اتفقت مع فني تبريد وتكييف أن يفك جهاز تكييف من مكان ويركبه في مكان آخر في نفس الشقة، واتفقت معه على الأجر الذي سيأخذه 700 جنيه، مع العلم أن الجهاز مكون من وحدتين؛ وحدة خارجية، وأخرى داخلية، وقام بفك الجهاز، وبدأ يركبه في المكان الآخر، وأثناء تركيبه رأيته وهو يحاول كثيرا أن يلوي ويثني ويحني الماسورة النحاسية التي تصل بين الوحدتين، إلى أن أَحدَث كسرا في هذه الماسورة، فسألته عن حل هذه المشكلة، فقال: ماسورة أخرى، المستعملة بـ 600 جنيه، والجديدة بـ 900 جنيه، فقلت له: هات ماسورة مستعملة، وعندما انتهى من عمله، أعطيته ما اتفقنا عليه في الفك والتركيب فقط، فقال: بقى لي 600 جنيه، قلت له: من أتلف شيئا فعليه إصلاحه، ولن أدفع لك سوى الـ 700 جنيه، وأعطيت له الماسورة التي كسرها. والسؤال: هل له حق في ثمن الماسورة المستعملة، أم يتحمل هو ثمنها؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

العامل في صيانة المكيفات أجير مشترك، سواء عمل في ورشته أو في منزل صاحب المكيف؛ إلا أن يتفق معه على العمل مدة معلومة كيوم أو نصف يوم أو ساعة مثلا، فالأجير الخاص: مَنْ نفعُه مقدرٌ بالزمن، والمشترك بخلافه.

فإن استؤجر لنقل المكيف من موضع إلى موضع، بشرط ألا يعمل لغير المستأجر حينئذ: فهو أجير خاص، كما صرح به بعض الفقهاء.

قال في "دليل الطالب"، ص62: " والأجير قسمان: خاص: وهو من قدر نفعه بالزمن، ومشترك: وهو: من قدر نفعه بالعمل" انتهى.

وفي "الموسوعة الفقهية" (1/288): " الأجير الخاص: هو من يعمل لمعين عملا مؤقتا، ويكون عقده لمدة. ويستحق الأجر بتسليم نفسه في المدة؛ لأن منافعه صارت مستحقة لمن استأجره في مدة العقد" انتهى.

وجاء في "درر الحكام شرح مجلة الأحكام" (1/ 454): " الأجير على قسمين:

القسم الأول: هو الأجير الخاص الذي استؤجر على أن يعمل للمستأجر فقط، كالخادم الموظف.

القسم الثاني: هو الأجير المشترك الذي ليس بمقيد بشرط ألا يعمل لغير المستأجر، كالحمَّال والدلال والخياط والساعاتي والصائغ وأصحاب كروسات الكراء وأصحاب الزوارق الذين هم يُكارون في الشوارع والجُوّال مثلا، فإن كلا من هؤلاء أجير مشترك لا يختص بشخص واحد، وله أن يعمل لكل أحد.

لكنه لو استؤجر أحد هؤلاء على أن يعمل للمستأجر إلى وقت معين، يكون أجيرا خاصا في مدة ذلك الوقت.

وكذلك لو استؤجر حمال، أو ذو كروسة أو ذو زورق إلى محل معين، بشرط أن يكون مخصوصا بالمستأجر، وأن لا يعمل لغيره: فإنه أجير خاص إلى أن يصل إلى ذلك المحل...

 أما لو استأجر إنسان خياطا على أن يخيط له قميصا في بيته، بدون تعيين المدة: فهو أجير مشترك، سواء عمل لغير ذلك الإنسان أم لم يعمل" انتهى.

ثانيا:

الأجير الخاص لا يضمن إلا إذا تعدى أو فرط.

وأما الأجير المشترك ففي تضمينه خلاف وتفصيل.

جاء في "الموسوعة الفقهية" (13/277): "واتفقوا كذلك على أن الأجير الخاص أمين، فلا ضمان عليه فيما تلف في يده من مال، أو ما تلف بعمله إلا بالتعدي أو التفريط؛ لأنه نائب المالك في صرف منافعه إلى ما أمر به، فلم يضمن؛ كالوكيل، ولأن عمله غير مضمون عليه، فلم يضمن ما تلف به، كسراية القصاص، ولم يوجد منه صُنع يَصلح سببا لوجوب الضمان.

واتفقوا على أن الأجير المشترك إذا تلف عنده المتاع بتعد أو تفريط: فإنه يضمن.

واختلفوا فيما إذا تلف بغير تعد منه أو تفريط:

فذهب الشافعية وأبو حنيفة وزفر إلى أن يده يد أمانة، فلا يضمن ما تلف...

وذهب أبو يوسف ومحمد بن الحسن إلى أنه مضمون عليه بالتلف، إلا في حرق غالب، أو غرق غالب، أو لصوص مُكابرين. عن عمر رضي الله عنه أنه كان يُضَمِّن الأجيرَ المشترك، احتياطا لأموال الناس، وهو المَعْنَى في المسألة؛ وهو أن هؤلاء الأجراء الذين يُسَلَّم المال إليهم من غير شهود: تُخَاف الخيانة منهم، فلو علموا أنهم لا يُضَمَّنون، لهلكت أموال الناس؛ لأنهم لا يعجزون عن دعوى الهلاك، وهذا المعنى لا يوجد في الحريق الغالب، والغرق الغالب، والسرَق الغالب.

وذهب الحنابلة إلى أنه يضمن ما تلف بفعله، ولو بخطئه، كتخريق القصار الثوب، وغلطه، كأن يدفعه إلى غير ربه، وأما ما تلف من حرزه بنحو سرقة أو تلف بغير فعله، إذا لم يفرط: فلا ضمان عليه، لأن العين في يده أمانة، أشبه بالمودع.

وشرط المالكية لتضمينه شرطين:

أحدهما: أن يغيب الأجير المشترك على السلعة، وذلك بأن يصنعها بغير حضور ربها، وبغير بيته، وأما إن صنعها ببيته، ولو بغير حضور ربها، أو صنعها بحضوره: لم يضمن ما نشأ من غير فعله، كسرقة، أو تلف بنار مثلا، بلا تفريط.

وثانيهما: أن يكون المصنوع مما يُغاب عليه كثوب ونحوه " انتهى.

وحجة القائلين بتضمين الأجير المشترك: ما روي في ذلك عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما.

أخرج عبد الرزاق (14949) أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ضَمَّنَ الصَّبَّاغَ الَّذِي يَعْمَلُ بِيَدِهِ.

وأخرج ابن أبي شيبة (21050) أن عمر بن الخطاب ضمن الصناع الذين انتصبوا للناس في أعمالهم، ما أهلكوا في أيديهم.

وأخرج عبد الرزاق (14948)؛ وابن أبي شيبة (21051) عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ يُضَمِّنُ الْخَيَّاطَ، وَالصَّبَّاغَ، وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ؛ احْتِيَاطًا لِلنَّاسِ.

وفي رواية قال: "لا يصلح الناس إلا ذلك".

واختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أن الأجير المشترك كالخاص، لا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط.

وينظر: "الشرح الممتع" (10/ 83).

ثالثا:

إذا ثنى العامل الماسورة النحاسية مرات حتى انكسرت، فالأصل أن هذا تفريط منه، يوجب عليه الضمان؛ لأن النحاس ينكسر بالثني.

فإن حصل بينكما خلاف في التفريط وعدمه، كأن يدعي أن النحاس انكسر لقِدَمه مثلا، فالمرجع في ذلك إلى أهل الخبرة، فإن قالوا: إن الكسر حصل بتفريطه ضمن، وإن قالوا: إنه لا تفريط منه، لم يضمن.

هذا على قول من اشترط التفريط، ولا فرق هنا بين أن يكون أجيرا خاصا أو مشتركا، فحيث حصل التفريط، كان الضمان، اتفاقا.

وأما على قول الحنابلة وأبي يوسف ومحمد، فإنه يضمن ولو لم يفرط؛ لأنه أجير مشترك.

رابعا:

في حال تضمينه، فالأصل أن يضمن بالمثل، أو بما يقارب المثل، فتلزمه ماسورة مستعملة، ويأخذ المكسورة.

قال ابن القيم رحمه الله: " الأصل الثاني: أن جميع المتلفات تُضمن بالجنس، بحسب الإمكان مع مراعاة القيمة ...

وإذا كانت المماثلة من كل وجه متعذرة، حتى في المكيل والموزون؛ فما كان أقرب إلى المماثلة فهو أولى بالصواب، ولا ريب أن الجنس إلى الجنس أقرب مماثلة من الجنس إلى القيمة؛ فهذا هو القياس وموجب النصوص، وبالله التوفيق" انتهى من "إعلام الموقعين" (2/ 20).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب