السبت 18 شوّال 1445 - 27 ابريل 2024
العربية

عمل لها سحرا وتزوجها، فهل العقد صحيح أم باطل؟

479050

تاريخ النشر : 22-02-2024

المشاهدات : 1634

السؤال

زوجها عمل لها سحرا، وتم الزواج، فهل العقد صحيح أم باطل؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

السحر نوعان:

الأول : شرك: وهو الذي يكون بواسطة الشياطين؛ يعبدهم، ويتقرب إليهم، ليسلطهم على المسحور.

النوع الثاني: عدوان وفسق، وهو الذي يكون بواسطة الأدوية والعقاقير ونحوها.

فإذا كان الزوج قد سحرك، أي باشر السحر بنفسه، وكان من النوع الأول، فإنه يكون كافرا.

فإن كان مارس السحر قبل عقد النكاح، ولم يتب منه: لم يصح عقده.

وإن كان بعد النكاح، فالنكاح صحيح، ثم ينظر في أثر الردة على النكاح، كما بينا في جواب السؤال رقم: (359253).

ثانيا:

يُشترط لصحة النكاح: رضا الزوجين البالغين، سواء كانت المرأة ثيبا أو بكرا، على الراجح.

والأصل في ذلك: ما روى البخاري (5136)، ومسلم (1419) عن أَبي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لاَ تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلاَ تُنْكَحُ البِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ).

ولو زُوِّجت المرأةُ بغير رضاها، كان النكاح موقوفا على إجازتها، فإن لم ترض به المرأة، فإنه لا يصح.

فعن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَتْ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ، فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

رواه أبو داود (2096)، وابن ماجه (1875)، وصححه ابن القيم في " تهذيب السنن " (3/ 40) والألباني في "صحيح أبي داود".

وعن بُرَيْدَةَ بن الحصيب قال: جَاءَتْ فَتَاةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بِي خَسِيسَتَهُ. فَجَعَلَ الْأَمْرَ إِلَيْهَا.

فَقَالَتْ: قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِي، وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ تَعْلَمَ النِّسَاءُ أَنْ لَيْسَ إِلَى الْآبَاءِ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ.

رواه ابن ماجه (1874)، وصححه البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 102)، وكذا قال الشيخ مقبل الوادعي: " صحيح على شرط مسلم "، انتهى من "الصحيح المسند" صـ 160

قال في "البناية شرح الهداية" (5/ 80): " (ولا يجوز للولي إجبار البكر البالغة على النكاح).   ش: يريد أنه لا يزوجها بغير رضاها، فإن فعل ذلك، فالنكاح موقوف على إجازتها عندنا، فإن ردَّتْه: بطل" انتهى.

وينظر: "الفتاوى الهندية" (1/ 287)، "حاشية الشلبي على تبيين الحقائق" (2/ 118).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "المرأة لا ينبغي لأحدٍ أن يزوِّجها إلا بإذنها، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فإن كرهت ذلك: لم تُجبر على النكاح، إلا الصغيرة البكر، فإن أباها يزوجها، ولا إذن لها، وأما البالغ الثيب: فلا يجوز تزويجها بغير إذنها، لا للأب، ولا لغيره، بإجماع المسلمين.

وكذلك البكر البالغ ليس لغير الأب والجد تزوجيها بدون إذنها، بإجماع المسلمين، فأما الأب والجد فينبغي لهما استئذانها.

واختلف العلماء في استئذانها هل هو واجب أو مستحب، والصحيح: أنه واجب، ويجب على ولي المرأة أن يتقي الله فيمن يزوجها به، وينظر في الزوج هل هو كفؤ أو غير كفؤ؛ فإنه إنما يزوجها لمصلحتها لا لمصلحته، وليس له أن يزوجها بزوج ناقص لغرض له" انتهى من "مجموع الفتاوى" (32/ 39، 40).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " هذه الأخت لك: إن كانت بكراً، وأجبرها أبوها على الزواج بهذا الرجل، فقد ذهب بعض أهل العلم إلى صحة النكاح، ورأوا أن للأب أن يجبر ابنته على الزواج بمن لا تريد إذا كان كفؤا.

ولكن القول الراجح في هذه المسألة: أنه لا يحل للأب ولا لغيره أن يجبر المرأة على التزوج بمن لا تريد، وإن كان كفؤاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تنكح البكر حتى تُستأذن)؛ وهذا عام لم يستثن منه أحد من الأولياء، بل قد ورد في صحيح مسلم (البكر يستأذنها أبوها)؛ فنص على البكر، ونص على الأب، وهذا نص في محل النزاع، فيجب المصير إليه.

وعلى هذا فيكون إجبار الرجل ابنته على أن تتزوج بشخص لا تريد الزواج منه، يكون محرماً، والمحرم لا يكون صحيحاً نافذاً؛ لأن إنفاذه وتصحيحه مضاد لما ورد فيه من النهي، وما نهى الشرع عنه فإنه يريد من الأمّة ألا تتلبس به أو تفعله، ونحن إذا صححناه فمعناه أننا تلبسنا به وفعلناه وجعلناه بمنزلة العقود التي أباحها الشارع، وهذا أمر لا يكون.

وعلى هذا القول الراجح يكون تزويج والدك ابنته هذه بمن لا تريد يكون تزويجاً فاسداً، والعقد فاسد، فيجب النظر في ذلك من قبل المحكمة " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (19/ 2).

وحاصل هذا أن رضا الزوجة شرط معتبر في النكاح.

ثالثا:

إذا كان الزوج لم يباشر السحر بنفسه، كما هو الغالب، وإنما أمر ساحرا أن يسحر له، أو كان سحره من النوع الثاني، فإنه لا يكفر بذلك، فينظر في رضاك بالنكاح:

فإن كنت راضية بالزواج من زوجك عند العقد، ولم يكن للسحر تأثير على رضاك، فنكاحك صحيح.

وإذا كنتِ مسلوبة الإرادة بالسحر، بحيث أفقدك عقلك، أو إدراكك واختيارك، ولولاه ما وافقت على الزواج: فإن نكاحك يكون موقوفا على إجازتك، فإن أجزتيه صح، وإلا فسخ.

وإذا حصل شك، هل وافقتِ تحت تأثير السحر أم لا، أو هل كان السحر قبل العقد أو بعده، فنكاحك صحيح؛ لأن الأصل عدم السحر، وعدم تأثيره على الرضا، ولا يبطل النكاح بالشك.

رابعا:

لا يجوز اتهام أحد بعمل السحر إلا ببينة؛ لأن الأصل سلامة المسلم وحسن الظن به، فلا ينسب له منكر كالسحر إلا ببينة.

والنصيحة لك إن كنت تشكين في صحة النكاح؛ لعدم رضاك، أن تجيزي هذا النكاح، وتوافقي عليه، فقد تقدم أنه في حال عدم رضا المرأة يكون النكاح موقوفا على إجازتها، ثم إن كرهتِ البقاء مع زوجك، أو ساءت عشرته، فلك طلب الطلاق أو الخلع.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب