الحمد لله.
إذا كان ضعيف السمع المذكور: يعقل أمر الإسلام، والصلاة؛ فإن التكاليف لا تسقط عنه.
وأما ما يعجز عن تعلمه من أمر القراءة أو غيرها، فالقاعدة في الواجبات أنه يفعل ما يستطيعه، ويسقط عنه ما يعجز عنه.
قال الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ التغابن/16.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بشيء فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ رواه البخاري (7288)، ومسلم (1337).
قال عز الدين ابن عبد السلام رحمه الله تعالى:
" قاعدة: وهي أن من كُلِّف بشيء من الطاعات، فقدر على بعضه، وعجز عن بعضه: فإنه يأتي بما قدر عليه، ويسقط عنه ما عجز عنه ..." انتهى من "قواعد الأحكام" (2/7).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" فإن العبادات المشروعة ، إيجابا أو استحبابا : إذا عجز عن بعض ما يجب فيها، لم يسقط عنه المقدور لأجل المعجوز؛ بل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إِذَا أَمَرْتُكُمْ بأمر فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) وذلك مطابق لقول الله تعالى: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) " انتهى من "مجموع الفتاوى" (26/230).
وبناء على ذلك؛ فمن عجز عن القراءة في الصلاة أو عن بعضها لضعف سمعه وعدم قدرته على التعلم، أو لغير ذلك من الأسباب: فإنه لا تسقط عنه الصلاة، بل يجب عليه أن يصلي، ويقرأ بما يتقنه من آيات القرآن، ولو كان لا يتقن نطق بعض الأحرف لعجزه.
قال النووي رحمه الله تعالى:
" … الأمي من لا يحسن الفاتحة بكمالها، سواء كان لا يحفظها، أو يحفظها كلها إلا حرفا، أو يخفف مشددا لرخاوة في لسانه، أو غير ذلك، وسواء كان ذلك لخرس أو غيره = فهذا الأمي والأَرَتُّ [من يُدْغِم حرفا في حرف في غير موضع الإدغام]، والأ لثغ [من يبدل حرفا بحرف، كالراء بحرف الغين]: إن كان تمكّن من التعلّم، فصلاته في نفسه باطلة، فلا يجوز الاقتداء به بلا خلاف.
وإن لم يتمكّن، بأن كان لسانه لا يطاوعه، أو كان الوقت ضيقا ولم يتمكن قبل ذلك: فصلاته في نفسه صحيحة.
فإن اقتدى به من هو في مثل حاله صح اقتداؤه بالاتفاق " انتهى من "المجموع" (4/267).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله: "ومن حفظ القرآن غير معرَب ، فلم يمكنه أن يقرأه إلا بلسان العجم ، أو عجز عن حفظ إعرابه ونحوه = فليقرأ كما يمكنه ، فهو أولى من تركه : لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا" انتهى من "مختصر الفتاوى المصرية" (125) .
فإن عجز عن القراءة مطلقا صحت صلاته ولو بدون قراءة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
"فالأمي تصح صلاته بلا قراءة، باتفاق العلماء" انتهى من "مجموع الفتاوى" (23/75).
وعليه أن يأتي بما يحسنه من ذكر الله تعالى بدل القراءة.
عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قَالَ معلما لرجل الصلاة: ... فَأَقِمْ ثُمَّ كَبِّرْ، فَإِنْ كَانَ مَعَكَ قُرْآنٌ فَاقْرَأْ بِهِ، وَإِلَّا فَاحْمَدِ اللَّهَ وَكَبِّرْهُ وَهَلِّلْهُ رواه أبو داود (861)، والترمذي (302)، وقال: " حَدِيثُ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ " انتهى.
ويشهد له ما رواه أبو داود (832) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا، فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي مِنْهُ.
قَالَ: قُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" فصارت المراتب الآن: قراءة الفاتحة، فإن عجز فبما تيسَّرَ مِنَ القرآن مِن غيرها، فإن عَجَزَ فالتَّسبيحُ، والتَّحميد، والتَّكبير، والتَّهليل والحَوقلة " انتهى من "الشرح الممتع" (3/70).
الخلاصة:
ضعيف السمع الذي لا يستطيع تعلم القرآن على الوجه الصحيح، لا يسقط عنه وجوب الصلاة.
بل واجب عليه أن يصلي ويقرأ بحسب استطاعته، فإن عجز عن القراءة، ذكر الله تعالى في قيامه.
ولمزيد الفائدة طالع جواب السؤال رقم: (213606).
والله أعلم.
تعليق