الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

إشكال حول حديث الذين أعمالهم كالجبال وستكون هباءا منثورا.

481861

تاريخ النشر : 04-03-2024

المشاهدات : 2620

السؤال

رأيت إجابتكم على حديث الناس التي أعمالها كالجبال، ويأخذون من الليل كم تأخذون، ولكن الله سيجعلها هباءا منثورا؛ لأنهم كلما خلوا بمحارم الله انتهكوها. وعندي إشكالية أتمنى أن يتم توضيحها؛ لأنها أرهقتني كثيرا، قلتم فيها: إن هؤلاء الناس ظاهرهم التدين والتعبد، ولكنهم أشبه بالمنافقين، وأن أعمالهم يدخلها الرياء، أو انهم غير مخلصين في أعمالهم، ويؤخرون أو لا يتوبون من ذنوبهم التي في السر، وبالتالي ليسوا كمثل من يتوب من الذنب الفينة بعد الفينة، الذي سيغفر الله لهم مهما عملوا لأنهم يتوبون. السؤال: كيف تقولون أنهم استحقوا زوال أعمالهم وإلقائهم في النار بذلك، رغم أنهم كانوا يقومون الليل، ومعلوم أن قيام الليل من عبادات السر، وأفضل الصلاة بعد المكتوبة؟ كيف يكونون منافقين، وأعمالهم فيها رياء، أو يصرون على الذنوب، مع إنهم يأخذون من الليل، ومعلوم أن قيام الليل عبادة سر، التي هي ضد النفاق والرياء؟ إذن هذا معناه أن كل مقيم لليل داخل في هذا الحديث إذا انتهك محارم الله في السر؟! وإذا كانوا منافقين أو أعمالهم ناقصة إخلاص فلماذا إذن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن من صفاتهم قيام الليل؟! أرجوكم توضحون هذا الإشكال.

الجواب

الحمد لله.

أولًا:

عَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : (لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا) قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ، قَالَ: (أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا). رواه ابن ماجه ( 4245 )، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه".

ثانيًا:

سبق لنا في جواب السؤال رقم: (134636) بيان أن المقصود في الحديث من يستخفون بهذه المعاصي بجرأة واستخفاف واستهتار وفقدان لتعظيم الله وتعظيم مقام الذنوب في حق الله عز وجل، ويرجى مراجعة النقولات في ذلك الجواب للأهمية.

ثانيًا:

مدار الإشكال لديك يرجع إلى أمر واحد وهو أنهم يقومون الليل، ونرجو أن تتأمل في النقاط التالية:

1- في الحقيقة فإن قيام الليل ليس عصمة من أن يكونوا يعصون الله، سواء في خلواتهم أو عندما تحين الفرصة، وأنهم يفعلون ذلك بشيء من الاستخفاف، يدخلهم في شعبة من النفاق والعياذ بالله، فلا يعصم قيام الليل من ذلك كله.

2- الإنسان عمومًا مخلوق معقد، يفعل شعب إيمان وخير، ويتورط مع ذلك في شعب من المعصية والشر، والطاعات عمومًا، والصلاة خصوصًا تنهى عن الفحشاء والمنكر، لكن في النهاية قد يكون في طاعات العبد من النقص والخلل، وضعف الخشوع والرياء ما يُضعف تأثيرها على دفع الوقوع في الذنوب. وقد شرحنا ذلك في جواب السؤال رقم: (138805).

3- ليس صحيحًا أن قيام الليل يكون من عبادات السر دومًا، فإن قيام الليل له صور يكون فيها معلومًا، كأن يخبر به العبد، خاصة إذا قام بقلب المصلي في الليل ذلك المعنى؛ أنه يحب اطلاع غيره على عمله، أو يحرص عليه!! وقد يكون في جماعة كقيام رمضان ونحو ذلك، وأظهر من ذلك أنه قد يعلم به أهل بيته.

4- لا يوجد تعارض بين أن أعمالهم ناقصة، وبين أن يكون من أعمالهم الناقصة هذه قيام الليل. ونعم من تورط في فعل المعاصي على وجه الاستخفاء بها عن الناس، مراعاة لهم، والاستهتار بها والجرأة عليها فيما بينه وبين الله؛ فهو مستحق لهذه العقوبة ولو كان يقوم الليل.

5- إن أعظم من قيام الليل صلاة الفريضة، ومع ذلك نرى من الناس من يصلي الفريضة وهو متورط في شتى أنواع المعاصي والكبائر والفواحش، ولو كانت الطاعة تتنافى مع أن يكون الرجل من الموصوفين في الحديث محل السؤال؛ لكان أولى الطاعات بذلك التوحيد والصلاة المفروضة، فإنها أعظم قدرًا من قيام الليل وأدل على الإيمان والخير منه.

6- قد ذكر النبي عليه الصلاة والسلام الخوارج، وأنه لو أدركهم لقتلهم شر قتلة؛ ومع ذلك فقد وصف النبي عليه الصلاة والسلام الخوارج بأنهم يقرأون القرآن، ويصومون ويصلون ويقيمون الليل، ومع ذلك كله، لم يتناف هذا مع تورطهم في البدعة والضلالة التي وصلت لتكفير الأمة واستحلال دمائها.

قال الشيخ ابن عثيمين في "شرح رياض الصالحين" (3/277): "وهاهم الخوارج: حدث عنهم النبي عليه الصلاة والسلام؛ أنهم يصلون، ويصومون، ويتصدقون، ويقرؤون القرآن، ويقومون الليل، ويبكون، ويتهجدون، ويحقر الصحابي صلاته عند صلاتهم، لكن قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يجاوز إيمانهم حناجرهم)؛ لا يدخل الإيمان قلوبهم مع أنهم صالحو الظواهر، لكن ما نفعهم.

فلا تغتر بصلاح جوارحك، وانظر قبل كل شيء إلى قلبك، أسأل الله أن يصلح قلبي وقلوبكم. أهم شيء هو القلب" انتهى.

وينظر ما سبق في حال الخوارج، في جواب السؤال رقم: (225251).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب