الحمد لله.
أولا:
لا يحل النظر إلى المرأة الأجنبية، ولا الخلوة بها، ولا يحل لها أن تكشف وجهها أمامه؛ لأدلة كثيرة سبق بيانها في جواب السؤال رقم: (263354)، ورقم: (443555).
ثانيا:
صوت المرأة مختلف فيه، والراجح أنه ليس عورة.
قال الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (4/210): " وصوت المرأة ليس بعورة، ويجوز الإصغاء إليه عند أمن الفتنة، وندب تشويهه إذا قُرع بابها فلا تجيب بصوت رخيم، بل تغلظ صوتها بظهر كفها على الفم" انتهى.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (4/90): "إنْ كَانَ صَوْتَ امْرَأَةٍ، فَإِنْ كَانَ السَّامِعُ يَتَلَذَّذُ بِهِ، أَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ فِتْنَةً: حَرُمَ عَلَيْهِ اسْتِمَاعُهُ، وَإِلاَّ فَلاَ يَحْرُمُ، وَيُحْمَل اسْتِمَاعُ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَصْوَاتَ النِّسَاءِ حِينَ مُحَادَثَتِهِنَّ عَلَى هَذَا.
وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ تَرْخِيمُ الصَّوْتِ، وَتَنْغِيمُهُ، وَتَلْيِينُهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إثَارَةِ الْفِتْنَةِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْل فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) " انتهى.
وقال علماء اللجنة الدائمة: "صوت المرأة نفسه ليس بعورة؛ لا يحرم سماعه إلا إذا كان فيه تكسر في الحديث، وخضوع في القول، فيحرم منها ذلك لغير زوجها، ويحرم على الرجال سوى زوجها استماعه؛ لقوله تعالى: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا) الأحزاب/ 32.
اللجنة الدائمة: الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود" انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة " (17/202).
ثالثا:
يجوز أخذ العلم عن امرأة إذا انتفت المحاذير الشرعية، من النظر، والخلوة، والخضوع بالقول، وتعلق القلب.
وليس للمرأة أن تتعلم من رجل، أو تعلمه، وهو ينظر إليها، أو تنظر إليه، ولو سترت وجهها، فيلزم أن يكون بينهما جدار أو ساتر يستر بدنها وهيئتها عنه.
قال الله عز وجل : ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) الأحزاب/54.
وهذا الحكم ليس مختصا بأمهات المؤمنين، بل يشمل غيرهن، كما يقول العلامة الأمين الشنقيطي رحمه الله :
" تعليله تعالى لهذا الحكم - الذي هو إيجاب الحجاب - بكونه أطهر لقلوب الرجال والنساء من الريبة قرينة واضحة على إرادة تعميم الحكم ، إذ لم يقل أحد من جميع المسلمين إن غير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا حاجة إلى أطهرية قلوبهن وقلوب الرجال من الريبة منهن " انتهى من "أضواء البيان" (6/242) .
وتجد في كتب التراجم العديد من المواقف التي ينص فيها على كون السماع من وراء ستر وحجاب، فقد قال المحدثون في الجواب عن إنكار من أنكر سماع محمد بن إسحاق من فاطمة زوجة هشام بن عروة : " جائز أن يكون سمع منها وبينهما حجاب في غيبة زوجها، قال الذهبي: ذاك الظن بهما، كما أخذ خلق من التابعين عن الصحابيات، مع جواز أن يكون دخل عليها ورآها وهو صبي، فحفظ عنها، مع احتمال أن يكون أخذ عنها حين كبرت وعجزت، وكذا ينبغي، فإنها أكبر من هشام بأزيد من عشر سنين " انتهى من "سير أعلام النبلاء" (7/42)
وفي " مسند الإمام أحمد " (33/401) : " جاء قوم من أصحاب الحديث، فاستأذنوا على أبي الأشهب، فأذن لهم، فقالوا : حدثنا ، قال : سلوا، فقالوا : ما معنا شيء نسألك عنه ، فقالت ابنته من وراء الستر: سلوه عن حديث عرفجة بن أسعد أصيب أنفه يوم الكلاب " انتهى.
" وكذلك ما روي عن الإمام مالك رحمه الله حين كان يقرأ عليه " الموطأ " فإن لحن القارئ في حرف أو زاد أو نقص: تدق ابنته الباب، فيقول أبوها للقارئ: ارجع فالغلط معك، فيرجع القارئ فيجد الغلط " كما في " المدخل "لابن الحاج" (1/215) .
وجاء في " الضوء اللامع لأهل القرن التاسع " للسخاوي (12/ 22) في ترجمة حليمة ابنة أبي علي المزملاتي أنها " سَمِعت من وَرَاء حجاب ثمانيات النجيب على الْجمال الْحَنْبَلِيّ " انتهى.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (12/149) : "لا يجوز للرجل تدريس البنات مباشرة ؛ لما في ذلك من الخطر العظيم والعواقب الوخيمة".
وجاء فيها أيضا (12/156) : "ثانيا : لا يجوز للرجل أن يعلم المرأة وهي ليست متحجبة ، ولا يجوز أن يعلمها خاليا بها ولو كانت بحجاب شرعي ، والمرأة عند الرجل الأجنبي عنها : كلها عورة ، أما ستر الرأس وإظهار الوجه فليس بحجاب كامل.
ثالثا:
لا حرج في تعليم الرجل المرأة من وراء حجاب في مدارس خاصة بالنساء ، لا اختلاط فيها بين الطلاب والطالبات ، ولا المعلم والمتعلمات.
وإن احتجن للتفاهم معه ؛ فيكون عبر شبكات الاتصال المغلقة ، وهي معروفة ومتيسرة ، أو عبر الهاتف ، لكن يجب أن يحذر الطالبات من الخضوع بالقول بتحسين الكلام وتليينه" انتهى.
وعليه؛ فإذا كانت المرأة من وراء حجاب، ستر، أو جدار، معها زوجها أو محرمها، وانتفت الفتنة وتعلُّقُ القلبِ من جهة المتعلم أو جهتها، فلا حرج في أخذه العلم عنها، تجويدا أو غيره.
ولكن نظرا لانتشار الفساد، ورقة الدين عند كثير من الناس، فلا ينصح بهذا، لا سيما التجويد الذي يتقنه رجال كثر في كل بلد، فلا حاجة فيه للأخذ عن امرأة غالبا، إلا إذا كانت المرأة كبيرة في السن ، عالية الإسناد ، يُحتاج إليه في ذلك ، وتؤمن الفتنة ، فلا بأس حينئذ .
والله أعلم.
تعليق