الحمد لله.
أولا:
عَنْ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَة رضي الله عنها، لما سًئلت عَنْ قِيَامِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟
قَالَتْ: "كُنَّا نُعِدُّ لَهُ سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ، فَيَبْعَثُهُ اللهُ مَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنَ اللَّيْلِ ، فَيَتَسَوَّكُ وَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ، لَا يَجْلِسُ فِيهَا إِلَّا فِي الثَّامِنَةِ ، فَيَذْكُرُ اللهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ ، ثُمَّ يَنْهَضُ وَلَا يُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي التَّاسِعَةَ، ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا … " رواه مسلم (746).
وظاهر هذا الحديث يبيّن أن السّنّة لمن أوتر بتسع أن يجلس في الثامنة ويتشهد.
لكن ذلك ليس "واجبا" من واجبات الصلاة ، حتى لو تركه عمدا ، لم يلزمه شيء .
وقد نص غير واحد من أهل العلم على أنه لو صلاها بتشهد واحد جاز.
قال البغوي رحمه الله تعالى:
" وإن اختار السبع أو التسع: يجوز بتشهدين، كما ورد في الحديث، ويجوز بتشهد واحد قياسا على الخمس، وكذلك إذا اختار الإيتار بإحدى عشرة، أو ثلاث عشرة. والله أعلم " انتهى من "شرح السنة" (4 / 84).
وقوله قياسا على الخمس؛ لأنه قد ورد أن السّنّة لمن أوتر بخمس أن تكون بتشهّد واحد.
روى مسلم (737) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: ( كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ، لَا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ إِلَّا فِي آخِرِهَا ).
وقال المرداوي رحمه الله تعالى:
" وقيل: له سرد إحدى عشرة، فأقل، بتشهّد واحد وسلام " انتهى من "الإنصاف" (4/115).
ثانيا:
إذا كان من نيتك أن تجلس للتشهد في هذا الموضع، ولم تجلس: شرع لك أن تسجد للسهو في نهاية صلاتك؛ خاصة إذا كنت تظن أنه واجب في الصلاة.
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: "صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ قَامَ فَلَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ وَنَظَرْنَا تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ، ثُمَّ سَلَّمَ " رواه البخاري (1224)، ومسلم (570).
والشافعية يقولون إن التشهد الأول، يعني: في صلاة الفريضة: مستحب، غير واجب، ومع ذلك يقولون إن من تركه : يشرع له السجود، كما وردت به السنة.
قال الشيخ زكريا الأنصاري، رحمه الله، فيما يجبر بالسهو إذا ترك، عمدا، أو سهوا:
" (والتشهد الأول) ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - تركه ناسيا وسجد قبل أن يسلم رواه الشيخان وقيس بالنسيان العمد بجامع الخلل بل خلل العمد أكثر فكان للجبر أحوج، والمراد بالتشهد الأول اللفظ الواجب في الأخير". انتهى، من "أسنى المطالب" (1/140). وينظر: "المجموع شرح المهذب" للنووي (4/125).
وأما الحنابلة: فيقولون إن التشهد الأول – يعني: في الفريضة – واجب، يجبر بالسجود إذا تركه سهوا.
قال في "شرح المنتهى" (1/229): " (ومن نهض) إلى الركعة الثالثة (عن ترك تشهد أول) مع (ترك) جلوس له ، (أو) عن ترك التشهد (دونه) أي: الجلوس له، بأن جلس ونهض، ولم يتشهد (ناسيا) لما تركه (لزم رجوعه) إن ذكر قبل أن يستتم قائما، ليتدارك الواجب ويتابعه مأموم، ولو اعتدل (وكره) رجوعه (إن استتم قائما) لحديث المغيرة بن شعبة مرفوعا إذا قام أحدكم من الركعتين فلم يستتم قائما، فليجلس فإن استتم قائما فلا يجلس، وليسجد سجدتين " رواه أبو داود وابن ماجه وأقل أحوال النهي: الكراهة.
ثم قال: " (وكذا) أي: كترك تشهد أول ناسيا (كل واجب) تركه مصل ناسيا ... = (وعليه السجود) للسهو (للكل) من الصور المذكورة.". انتهى.
ومن نسي سجود السهو الذي محله قبل السلام، قضاه بعد السلام، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم: (257).
والله أعلم.
تعليق