السبت 22 جمادى الأولى 1446 - 23 نوفمبر 2024
العربية

ما حكم الدعاء بالموت قبل الوالدين؟

485008

تاريخ النشر : 21-01-2024

المشاهدات : 4333

السؤال

هل يجوز الدعاء بقول: اللهم اجعلني أول من يموت من أهلي؟ وهل يجوز قول اللهم لا تحرمني من أهلي، ولا تفجعني فيهم؟ والدعاء بقول: اللهم متعني بأهلي ما أبقيت لي من عمر، أم في هذا تعدٍ بالدعاء؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

ورد النهي عن تمني الموت في عدة أحاديث، منها ما روى مسلم (2682) عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ , وَلا يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ، إِنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ انْقَطَعَ عَمَلُهُ، وَإِنَّهُ لا يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمْرُهُ إِلا خَيْرًا.

وللبخاري (7235):  لا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ، إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ.

قَالَ النَّوَوِيّ رحمه الله في "شرح مسلم" (17/7): " فيه التصريح بكراهة تمني الموت لضر نزل به، من مرض أو فاقة أو محنة من عدو، أو نحو ذلك من مشاق الدنيا.

فأما إذا خاف ضررا في دينه، أو فتنة فيه: فلا كراهة فيه؛ لمفهوم هذا الحديث وغيره، وقد فعل هذا الثاني خلائق من السلف عند خوف الفتنة في أديانهم" انتهى.

وقال في "كشاف القناع" (2/80): " (و) يكره (تمني الموت لضُر نزل به)، وكذا إن لم ينزل به ضر، ويحمل قوله صلى الله عليه وسلم: لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي متفق عليه = على الغالب من أحوال الناس.

(ولا يكره) تمني الموت " (لضرر بدينه، وخوف فتنة) ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون .

(وتمني الشهادة ليس من تمني الموت المنهي عنه، ذكره في الهَدي)؛ بل مستحب، لا سيما عند حضور أسبابها؛ لما في الصحيح: مَن تمنى الشهادة خالصا من قلبه؛ أعطاه الله منازل الشهداء" انتهى.

فإذا تمنى الموت لغير الحالات المذكورة، فقد اختلف في استحبابه وكراهته.

قال ابن رجب رحمه الله: " تمني الموت على غير الوجوه المتقدمة : فقد اختلف العلماء في كراهيته واستحبابه ، وقد رخص فيه جماعة من السلف ، وكرهه آخرون، وحكى بعض أصحابنا عن أحمد في ذلك روايتين، ولا يصح؛ فإن أحمد إنما نص على كراهة تمني الموت لضرر الدنيا، وعلى جواز تمنيه خشية الفتنة في الدين " انتهى من لطائف المعارف، ص297

وقد ذكرنا أحوال تمني  الموت وحكمها في جواب السؤال رقم: (136164)، ورقم: (46592).

ثانيا:

الدعاء بطول العمر للوالدين والأهل، وأن يموت قبلهم، وألا يفجع بهم، هو نوع من تمني الموت، أي تمنيه قبل المذكورين، والظاهر جوازه، لكنه خلاف الأولى؛ لأنه دعاء بأمر مقدر، فهو تحصيل حاصل، والأولى أن يدعو بما ينفعه وينفع أهله في الآخرة.

ويدل لذلك: ما روى مسلم (2663) عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

اللهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ، وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ.

قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 

قَدْ سَأَلْتِ اللهَ لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ، وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ، لَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ، أَوْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّهِ.

وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللهَ أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ، أَوْ عَذَابٍ فِي الْقَبْرِ، كَانَ خَيْرًا وَأَفْضَلَ .

قال ابن الجوزيّ رحمه الله: "فإن قيل: كيف ردّها عن سؤال، وعَلّل بالقَدَر، وأمَرها بسؤال، وهو داخل في باب القدر أيضًا؟

فالجواب: أن سؤال ما يجلب نفعًا في الآخرة، ويُظهِر عبوديةً من السائل: أَولى مما يجتلب به مجرد النفع في الدنيا، فأراد منها التشاغل بأمور الآخرة" انتهى من "كشف المشكل من حديث الصحيحين" (1/337).

 وقال القرطبيّ رحمه الله: قد أورد بعض علمائنا على هذا سؤالًا، فقال: ما معنى صَرْفه لها عن الدعاء بطول الأجل، وحَضّه لها على العياذ من عذاب القبر، وكل ذلك مقدّرٌ، لا يدفعه أحدٌ، ولا يردّه سبب؟

فالجواب: أنه صلى الله عليه وسلم لم ينهها عن الأول، وإنَّما أرشدها إلى ما هو الأَولى والأفضل، كما نصّ عليه.

ووجه كون الثاني أَولى وأفضل، أنه قيام بعبادة الاستعاذة من عذاب النار والقبر، فإنَّه قد تَعَبّدنا بها في غير ما حديث، ولم يَتَعبّدنا بشيء من القِسْم الذي دعت هي به، فافترقا.

وأيضًا: فانَّ التعوذ من عذاب القبر والنار تذكير بهما، فيخافهما المؤمن، فيحذرهما، ويتقيهما، فيجعل من المتقين الفائزين بخير الدنيا والآخرة". انتهى من "المفهم" (22/42).

وقال الأُبيّ رحمه الله: "قوله: "ولو كنت سألت إلخ": صَرَفها صلى الله عليه وسلم عن الدعاء بالزيادة في العمر، إلى الدعاء بالمعافاة من عذاب القبر والنار؛ إرشادًا لها لِمَا هو الأفضل؛ لأنه كالصلاة والصوم من جملة العبادات، فكما لا يَحْسُن تركها اتكالًا على ما سَبَق من القدر، فكذلك لا يُترك الدعاء بالمعافاة. انتهى بتصرّف من "شرحه على مسلم" (7/94).

فالأولى للإنسان أن يدعو لنفسه ولوالديه بالمغفرة والرحمة والسعادة في الدنيا والآخرة، ولو دعا بطول العمر على الطاعة والازدياد من الخير كان حسنا.

ولا ينبغي الانشغال بمن يموت أولا، فإن ذلك أمر مقدر مفروغ منه، لكن يسأل الله الصبر والرضا بأقداره.
 

سئل الشيخ سليمان الماجد حفظه الله: " هل يجوز لي الدعاء بوفاتي قبل والديّ؟

فأجاب: الحمد لله أما بعد .. الأولى بالمسلم أن يحرص في هذه الحال على الدعاء بالمشروع، كقوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني ما كانت الوفاة خيرا لي"، وأن يدعو أن يختار له ولوالديه خير الدنيا والآخرة. والله أعلم" انتهى .

وينظر للفائدة في حكم الدعاء بطول العمر: جواب السؤال رقم: (130694).

والله أعلم.
 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب