الأربعاء 22 شوّال 1445 - 1 مايو 2024
العربية

يريد الزواج من نصرانية يتيمة، فمن يكون وليها في النكاح؟

485744

تاريخ النشر : 02-04-2024

المشاهدات : 1156

السؤال

أنا أريد الزواج من امرأة نصرانية، وقد قرأتُ بعض الأسئلة التي أجبتم عليها بأن الزواج يصحُ بوليٍ وشاهد، فإن أبى الولي - الأب على سبيل المثال - استوجب تولية العم، أو الخال، أو من بعده بدرجة، لكن هذه المرأة يتيمة الأب والأم، وتسكن بعيداً عن خالتها، وهي لا تملك أسرة، مع العلم أن بينهن خلافٌ، فمن توّكِل؟ وهل يصح أن توّكِل شخصاً من مصر ليتم عقد النكاح دون أن تأتي هي بشخصها حتى أتمكن من السفر إليها؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

زواج المسلم من نصرانية جائز ، بشرط أن تكون عفيفة .

قال الله تعالى : ( وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ... ) المائدة/5.

قال الشيخ السعدي في تفسيره (1/458) :

"(وأحل لكم  المحصنات) أي: الحرائر العفيفات  من المؤمنات ، (والمحصنات) الحرائر العفيفات (من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) أي : من اليهود والنصارى ، وهذا مُخصِّص ؛ لقوله تعالى : (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) .

.. وأما الفاجرات ، غير العفيفات عن الزنا ، فلا يباح نكاحهن ، سواء كن مسلمات ، أو كتابيات ، حتى يَتُبْنَ؛ لقوله تعالى: ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة ) الآية" انتهى .

ولكن مع جوازه فهو مكروه عند أكثر العلماء ، وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينهى عنه لما يترتب عليه من مفاسد .

قال في "كشاف القناع"(5/84): "(والأولى أن لا يتزوج من نسائهم . وقال الشيخ [يعني : ابن تيمية] : يكره) .

أي: مع وجود الحرائر المسلمات. قال في الاختيارات: وقاله القاضي ، وأكثر العلماء؛ لقول عمر للذين تزوجوا من نساء أهل الكتاب: طلقوهن " انتهى.

والمفاسد اليوم أعظم بكثير مما كان زمن عمر رضي الله عنه .

فمن المفاسد : أنك ستسافر إلى بلدها حيث يعيشون في حرية غير مقيدة بدين أو خلق ، فليس من حقك منعها من أي شيء ، حتى لو كان معارضا للإسلام ، أو للأخلاق الحميدة ، فلن تستطيع منعها من الذهاب إلى الكنيسة ، ولا من تشغيل القداس في البيت ، ولا من شرب الخمر وأكل الخنزير .. إلخ .

ومن المفاسد : أنه سيكون هناك ازدواجية في تربية الأولاد ، فهل ستصطحبهم معك إلى المسجد، أم ستتركهم لها تصطحبهم إلى الكنيسة ؟

وهل ستعلمهم أن المسيح هو عبد الله ورسوله وأن سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين ، أم تتركهم لها تعلمهم أن المسيح هو ابن الإله ، وأن سيدنا محمدا ليس رسولا؟

وسوف تمنعك سلطة القانون الغربي من الاجتهاد إلى أولادك، وصيانتهم عن الأديان الباطلة، خاصة إذا افترقت أنت وهي وبينكما أولاد ؛ فهنا سوف تكون الداهية الدهياء !!

قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "فإذا كانت الكتابية معروفة بالعفة ، والبعد عن وسائل الفواحش: جاز؛ لأن الله أباح ذلك وأحل لنا نساءهم وطعامهم.

لكن في هذا العصر يُخشى على من تزوجهن شر كثير، وذلك لأنهن قد يدعونه إلى دينهن ، وقد يسبب ذلك تنصر أولاده.

فالخطر كبير، والأحوط للمؤمن ألا يتزوجها، ولأنها لا تؤمن في نفسها ، في الغالب ، من الوقوع في الفاحشة، وأن تعلّق عليه أولادا من غيره ...

لكن إن احتاج إلى ذلك : فلا بأس ، حتى يُعف بها فرجه ، ويغض بها بصره، ويجتهد في دعوتها إلى الإسلام، والحذر من شرها ، وأن تجره هي إلى الكفر أو تجر الأولاد" انتهى نقلا عن: "فتاوى إسلامية" (3/172).

ثانيا :

كثير من الشباب يريد الزواج من فتاة من الدول الغربية من أجل أن يسافر من بلاده إلى هناك ، فيتخذ الزوجة مطية ليصل بها إلى غرضه ، ولا حاجة له في الزواج منها ، ويطلقها بمجرد ما يحصل له غرضه .

وهذا محرم لما فيه من غش المرأة . بل ذهب بعض العلماء إلى أنه يكون باطلا كنكاح المتعة .

وينظر جواب السؤال رقم: (111841) ففيه بيان تحريم الزواج بنية الطلاق.

ثالثا :

وأما كونها توكل من يعقد لها النكاح فلا يجوز ذلك ولا يصح ، لأن من شروط الوكالة الصحيحة أن يكون الموكل يملك ما وكل فيه .

والمرأة لا تملك أن تعقد النكاح لنفسها ، فلا تملك أن توكل من يعقد لها النكاح .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

"من ليس له التصرف في شيء فليس له أن يوكل فيه، فلو أن صبيّاً لم يبلغ قال لشخص: وكلتك في بيع بيتي فلا يصح؛ لأنه هو نفسه لا يصح له التصرف فيه فلا يصح أن يوكل" انتهى من "الشرح  الممتع" (9/326).

فلا يصح نكاح امرأة كبيرة أم صغيرة ، ثيبا أم بكرا ، مسلمة أم كافرة إلا بولي ، لأدلة كثيرة دلت على ذلك .

وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم: (2117).

وولي المرأة هو أبوها ثم أبوه (جدها) ثم إخوانها ثم أبناؤهم ، ثم أعمامها ، ثم أبناؤهم ، ثم أقاربها من عائلتها الأقرب فالأقرب ، كأعمام أبيها ثم أبناؤهم ... وهكذا ...

فإذا فرض أنه لا ولي لها من كل هؤلاء ، فتنتقل الولاية إلى القاضي المسلم ، وحيث إنها توجد في بلد أوروبي ، لا قضاء شرعي فيه ، فيقوم مدير المركز الإسلامي في مدينتها مقام القاضي الشرعي هناك فلتذهب إليه ويكون هو وليها .

وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء عن مسلم تزوج بنصرانية بدون إذن وليها .

فأجابوا :

" عقد النكاح لا يصح إلا بولي وشاهدي عدل ، ولا يجوز للمرأة أن تعقد لنفسها ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) وقوله صلى الله عليه وسلم : (لا تزوج المرأة المرأة ، ولا تزوج المرأة نفسها) وعلى هذا فالعقد المذكور في السؤال لا يصح ، ولا بد من تجديده بولي للمرأة.

والكتابية يزوجها والدها ، فإن لم يوجد ، أو وجد وامتنع ، يزوجها أقرب عصبتها ، فإن لم يوجدوا أو وجدوا وامتنعوا ، يزوجها القاضي المسلم إن وجد ، فإن لم يوجد زوجها أمير المركز الإسلامي في منطقتها ؛ لأن الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة دلت على ذلك" انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (18 /180-181).

والله أعلم.
 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب