الحمد لله.
أولا :
زواج المسلم من نصرانية جائز ، بشرط أن تكون عفيفة .
قال الله تعالى : ( وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ... ) المائدة/5.
قال الشيخ السعدي في تفسيره (1/458) :
"(وأحل لكم المحصنات) أي: الحرائر العفيفات من المؤمنات ، (والمحصنات) الحرائر العفيفات (من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) أي : من اليهود والنصارى ، وهذا مُخصِّص ؛ لقوله تعالى : (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) .
.. وأما الفاجرات ، غير العفيفات عن الزنا ، فلا يباح نكاحهن ، سواء كن مسلمات ، أو كتابيات ، حتى يَتُبْنَ؛ لقوله تعالى: ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة ) الآية" انتهى .
ولكن مع جوازه فهو مكروه عند أكثر العلماء ، وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينهى عنه لما يترتب عليه من مفاسد .
قال في "كشاف القناع"(5/84): "(والأولى أن لا يتزوج من نسائهم . وقال الشيخ [يعني : ابن تيمية] : يكره) .
أي: مع وجود الحرائر المسلمات. قال في الاختيارات: وقاله القاضي ، وأكثر العلماء؛ لقول عمر للذين تزوجوا من نساء أهل الكتاب: طلقوهن " انتهى.
والمفاسد اليوم أعظم بكثير مما كان زمن عمر رضي الله عنه .
فمن المفاسد : أنك ستسافر إلى بلدها حيث يعيشون في حرية غير مقيدة بدين أو خلق ، فليس من حقك منعها من أي شيء ، حتى لو كان معارضا للإسلام ، أو للأخلاق الحميدة ، فلن تستطيع منعها من الذهاب إلى الكنيسة ، ولا من تشغيل القداس في البيت ، ولا من شرب الخمر وأكل الخنزير .. إلخ .
ومن المفاسد : أنه سيكون هناك ازدواجية في تربية الأولاد ، فهل ستصطحبهم معك إلى المسجد، أم ستتركهم لها تصطحبهم إلى الكنيسة ؟
وهل ستعلمهم أن المسيح هو عبد الله ورسوله وأن سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين ، أم تتركهم لها تعلمهم أن المسيح هو ابن الإله ، وأن سيدنا محمدا ليس رسولا؟
وسوف تمنعك سلطة القانون الغربي من الاجتهاد إلى أولادك، وصيانتهم عن الأديان الباطلة، خاصة إذا افترقت أنت وهي وبينكما أولاد ؛ فهنا سوف تكون الداهية الدهياء !!
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "فإذا كانت الكتابية معروفة بالعفة ، والبعد عن وسائل الفواحش: جاز؛ لأن الله أباح ذلك وأحل لنا نساءهم وطعامهم.
لكن في هذا العصر يُخشى على من تزوجهن شر كثير، وذلك لأنهن قد يدعونه إلى دينهن ، وقد يسبب ذلك تنصر أولاده.
فالخطر كبير، والأحوط للمؤمن ألا يتزوجها، ولأنها لا تؤمن في نفسها ، في الغالب ، من الوقوع في الفاحشة، وأن تعلّق عليه أولادا من غيره ...
لكن إن احتاج إلى ذلك : فلا بأس ، حتى يُعف بها فرجه ، ويغض بها بصره، ويجتهد في دعوتها إلى الإسلام، والحذر من شرها ، وأن تجره هي إلى الكفر أو تجر الأولاد" انتهى نقلا عن: "فتاوى إسلامية" (3/172).
ثانيا :
كثير من الشباب يريد الزواج من فتاة من الدول الغربية من أجل أن يسافر من بلاده إلى هناك ، فيتخذ الزوجة مطية ليصل بها إلى غرضه ، ولا حاجة له في الزواج منها ، ويطلقها بمجرد ما يحصل له غرضه .
وهذا محرم لما فيه من غش المرأة . بل ذهب بعض العلماء إلى أنه يكون باطلا كنكاح المتعة .
وينظر جواب السؤال رقم: (111841) ففيه بيان تحريم الزواج بنية الطلاق.
ثالثا :
وأما كونها توكل من يعقد لها النكاح فلا يجوز ذلك ولا يصح ، لأن من شروط الوكالة الصحيحة أن يكون الموكل يملك ما وكل فيه .
والمرأة لا تملك أن تعقد النكاح لنفسها ، فلا تملك أن توكل من يعقد لها النكاح .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"من ليس له التصرف في شيء فليس له أن يوكل فيه، فلو أن صبيّاً لم يبلغ قال لشخص: وكلتك في بيع بيتي فلا يصح؛ لأنه هو نفسه لا يصح له التصرف فيه فلا يصح أن يوكل" انتهى من "الشرح الممتع" (9/326).
فلا يصح نكاح امرأة كبيرة أم صغيرة ، ثيبا أم بكرا ، مسلمة أم كافرة إلا بولي ، لأدلة كثيرة دلت على ذلك .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم: (2117).
وولي المرأة هو أبوها ثم أبوه (جدها) ثم إخوانها ثم أبناؤهم ، ثم أعمامها ، ثم أبناؤهم ، ثم أقاربها من عائلتها الأقرب فالأقرب ، كأعمام أبيها ثم أبناؤهم ... وهكذا ...
فإذا فرض أنه لا ولي لها من كل هؤلاء ، فتنتقل الولاية إلى القاضي المسلم ، وحيث إنها توجد في بلد أوروبي ، لا قضاء شرعي فيه ، فيقوم مدير المركز الإسلامي في مدينتها مقام القاضي الشرعي هناك فلتذهب إليه ويكون هو وليها .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء عن مسلم تزوج بنصرانية بدون إذن وليها .
فأجابوا :
" عقد النكاح لا يصح إلا بولي وشاهدي عدل ، ولا يجوز للمرأة أن تعقد لنفسها ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) وقوله صلى الله عليه وسلم : (لا تزوج المرأة المرأة ، ولا تزوج المرأة نفسها) وعلى هذا فالعقد المذكور في السؤال لا يصح ، ولا بد من تجديده بولي للمرأة.
والكتابية يزوجها والدها ، فإن لم يوجد ، أو وجد وامتنع ، يزوجها أقرب عصبتها ، فإن لم يوجدوا أو وجدوا وامتنعوا ، يزوجها القاضي المسلم إن وجد ، فإن لم يوجد زوجها أمير المركز الإسلامي في منطقتها ؛ لأن الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة دلت على ذلك" انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (18 /180-181).
والله أعلم.
تعليق