الحمد لله.
أولا:
إذا كان عدم إحسان المدرس للشرح ناتجا عن تقصيره وعدم قيامه بالأمانة، أو تغيبه عن محاضراته، ونحو ذلك من وجوه التقصير والإهمال الظاهرين: فالذي يظهر أن هذا تجوز غيبته بما قصر فيه ، إذا كانت هناك مصلحة معتبرة من ذلك؛ كأن يردعه ذلك عن إهماله، ويسعى في أداء أمانة، أو يدفع ذلك إلى أن يغيروه بمن هو خير منه ؛ فلا بأس لو قيل عنه: إنه لا يحسن الشرح، أو يتعمد الإخلال بالشرح ونحو ذلك .
وأما إذا لم تكن في ذكر هذا المدرس، ونحوه، بما فيه: مصلحة شرعية راجحة؛ فالواجب الإمساك عن ذلك بكل حال؛ فإنه يكون وقوعا في غيبة، وتعويدا للسان على الخنا؛ ثم لا مصلحة شرعية ترجى من وراء ذلك، تربو على مفسدة الغيبة، والوقوع فيما نهى الشرع عنه.
أما إذا كان عدم إحسانه غير ناتج عن تقصيره ، بل هذا منتهى استطاعته، فهذا له حرمته بكل حال، ولا تجوز غيبته، فإذا تضرر الطلاب بحاله؛ رفعوا شكايتهم إلى المسؤولين، ليولوا من هو أصلح لهم، وأقوى على أداء الأمانة، إن رجوا حصول ذلك؛ وإلا، فلا معنى للكلام فيه، أو عنه.
والغيبة فسرها النبي صلى الله عليه وسلم .
روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ قِيلَ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: إنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ أخرجه مسلم (2589).
فإذا قيل عن المدرس غير المقصر: إنه لا يحسن الشرح، أو سيء الشرح ، فهذا يكرهه بلا شك ، فتكون غيبة محرمة .
وإن كان محسنا في شرحه، على ما هو معتاد من أمثاله؛ كان ذكره بالإساءة بهتانا، وإثما مبينا!!
وينظر جواب السؤال رقم: (245157).
ثانيا :
أما قراءة الغيبة ، والاطلاع عليها : فالذي يظهر أنه لا يجوز أيضا؛ لا سيما إذا كانت المساحة التي نشر فيها هذا الكلام، لا فائدة ولا نفع فيها؛ إنما هي للقيل والقال، وماجريات الأحوال!!
وقد ترجم الإمام النووي، رحمه الله، في كتابه المبارك "رياض الصالحين" (424):
"باب: تحريم سماع الغيبة، وأمر من سمع غيبةً مُحرَّمةً بِرَدِّها، والإنكارِ عَلَى قائلها.
فإنْ عجز أَوْ لَمْ يقبل منه فارق ذلك المجلس إن أمكنه
قَالَ الله تَعَالَى: وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ [القصص: 55]، وقال تَعَالَى: والَّذينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون: 3]، وقال تَعَالَى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا [الإسراء: 36]، وقال تَعَالَى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ في آيَاتِنا فَأعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيْرِهِ وإمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ القَومِ الظَّالِمِينَ [الأنعام: 68]". انتهى.
وإذا كان سماع الغيبة المنطوقة: محرما؛ فكذلك ، فيما يظهر: قراءة الغيبة المكتوبة؛ ولا فرق.
لا سيما وقارئ ذلك: يقر في نفسه من إقرار ذلك، والتصديق به، وربما العمل بموجبه، من احتقار المسلم، أو شينه، أو نقل ذلك عنه ... ؛ ما لا يخفى فساده والمنع منه.
وأقل أحوال من يتابع مثل هذا الكلام، أو يقرؤه، حيث لا يرجى مصلحة في النظر فيه، سوى القيل والقال: أن يقر هذا المنكر، ولا يرده على قائله؛ هذا إن سلم من نقله، وإشاعته في الناس!!
وأما إن زاد الأمر على مجرد "القراءة"، حتى سجل القارئ "إعجابه" بكلام الذم أو الغيبة، أو علق بما يدل على "رضاه" فلا يخفى تحريم ذلك، وأن الأمر انتقل إلى "المشاركة" الصريحة في ذلك العمل المحرم.
وأشد من ذلك أن "يعيد نشره": فهذا "إثم" استقل به صاحبه، وباء به، فوق إثم الكاتب الأول للغيبة، وعيب المسلمين!!
فمن دخل تلك المواقع لنصح من يكتب فيها: فهو مأجور.
فإن لم يستطع تغيير هذا المنكر، ولا إنكاره بيده ، أو لسانه؛ فليس أقل من أن يعتزله ، وينكره بقلبه ، ولا يشارك فيه ، ولو باستحسان، أو إقرار ، أو حتى قراءة ، مجردة عن أمر آخر؛ فإنه لون إقرار له. وترك لما عليه من الذب عن عرض المسلم، وحفظ حرمته.
والإنكار بالقلب: يشترط له مفارقة مكان المعصية؛ لقوله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً النساء/140
قال ابن بطال رحمه الله: "لا ينبغي حضور المنكر والمعاصي، ولا مجالسة أهلها عليها؛ لأن ذلك إظهار للرضا بها، ومن كثَّر سواد قوم فهو منهم، ولا يأمن فاعل ذلك حلول سخط الله وعقابه عليهم ، وشمول لعنته لجميعهم" انتهى من "شرح صحيح البخاري" (7/ 292).
وقال ابن تيمية رحمه الله عمن دخل الحمامات العامة : "وعلى داخل الحمام أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بحسب الإمكان ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان) .
فيأمر بتغطية العورات، فإن لم يمكنه ذلك، وأمكنه أن يكون حيث لا يشهد منكرا ، فليفعل ذلك؛ إذ شهود المنكر من غير حاجة ولا إكراه : منهي عنه" انتهى من "مجموع الفتاوى" (21/ 334).
وقال السعدي رحمه الله في تفسيره، ص260: "(فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) : يشمل الخائضين بالباطل، وكل متكلم بمحرم، أو فاعل لمحرم، فإنه يحرم الجلوس والحضور عند حضور المنكر، الذي لا يقدر على إزالته" انتهى.
وقراءة الغيبة : تشبه حضور مجالس المحرم .
لكن إذا لم يكن الكلام متمحضا للغيبة والقيل والقال، وكان الناظر فيه يرجو مصلحة معتبرة مما ينشر في هذا المكان، فلا بأس بقراءة ما يحتاج إليه، وتظهر مصلحته ، لكن بلا زيادة ، كما لو كان يبحث عمن يدرس عنده ، أو يكون مشرفا له على رسالته ونحو ذلك .
وأما من غير حاجة ، ولا مصلحة ترجى من هنالك: فلينأ عنه بجانبه، وليعتزل مجالس اللغو، وأماكن المنكرات؛ ولو بقراءة؛ فالنفوس ضعيفة، الْإِثْمُ حَوَّازُ الْقُلُوبِ!!
والله أعلم .
تعليق