الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

هل يجوز لها لبس النقاب أثناء الإحرام؛ لأن الاسدال يرهقها؟

487815

تاريخ النشر : 03-03-2024

المشاهدات : 3118

السؤال

أمي مريضة، وعمرها ٦٠ سنة، وهي منقبة، تريد أن تعتمر، ويتعبها لبس الإسدال، فهل يجوز أن تبقى في النقاب وتفدي؟ وكيف يكون الفداء؟ وهل يجوز لها أن تعطي ابنتها من الفداء، وهي من سكان مكة؟

ملخص الجواب

من احتاج لفعل المحظور لعذر شرعي، جاز له أن يفعله وعليه فدية أذى ،  ويجوز إعطاء الفدية للأقارب الذين لا تلزمه نفقتهم.    

الجواب

الحمد لله.

أولاً:

لبس النقاب من محظورات الإحرام، ويمكن للمرأة أن تغطي وجهها أمام الأجانب بعد الإحرام بشيء من الثياب تسدله من أعلى رأسها على وجهها، من غير أن ترتكب المحظور الذي هو لبس النقاب.

فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قام رجل فقال يا رسول الله ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تلبسوا القميص ولا السراويلات ولا العمائم ... ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين) البخاري (1741).

قال ابن قدامة رحمه الله: "المرأة يحرم عليها تغطية وجهها في إحرامها، كما يحرم على الرجل تغطية رأسه. لا نعلم في هذا خلافا...، وقد روى البخاري وغيره، أن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: "ولا تنتقب المرأة، ولا تلبس القفازين".

فأما إذا ‌احتاجت ‌إلى ‌ستر ‌وجهها، ‌لمرور ‌الرجال ‌قريبا ‌منها، ‌فإنها ‌تسدل الثوب من فوق رأسها على وجهها. روي ذلك عن عثمان وعائشة. وبه قال عطاء ومالك، والثوري، والشافعي، وإسحاق، ومحمد بن الحسن. ولا نعلم فيه خلافا؛ وذلك لما روى عن عائشة، رضى الله عنها، قالت: كان الركبان يمرون بنا، ونحن محرمات مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإذا حاذوا بنا، سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه. رواه أبو داود، والأثرم" انتهى من "المغني" لابن قدامة (5/ 154).

فإذا شق على المرأة الاسدال مشقة زائدة عن المعتاد، واحتاجت إلى ستر وجهها بالنقاب، فإنه يجوز لها أن تلبس النقاب عند الحاجة لستر وجهها.

أما المشقة المعتادة لكونها لم تتعود عليه، فهذا ليس عذرا يبيح لها فعل المحظور، فأغلب القادمين للحج والعمرة يلبسون ثياب الإحرام لأول مرة، ويجدون مشقة في ذلك لكونهم لم يتعودوا على هذا اللباس، وهذه الطريقة في اللبس. وهذا لا يبيح لهم ترك لبس الإحرام.

فالمشقة التي يمكنها أن تتحملها، دون ضرر: فهذه مما تلازم العبادات، غالبا، ولذا سميت تكاليف.

وإذا كانت مشقة زائدة عن المعتاد، بحيث يلحق به الأذى والضرر من فعلها أو الاستمرار عليها فهذه المشقة التي توجب الرخصة.

قال الشاطبي رحمه الله: "إن كان العمل ‌يؤدي ‌الدوام ‌عليه ‌إلى ‌الانقطاع ‌عنه، أو عن بعضه، أو إلى وقوع خلل في صاحبه، في نفسه أو ماله، أو حال من أحواله: فالمشقة هنا خارجة عن المعتاد.

وإن لم يكن فيها شيء من ذلك في الغالب: فلا يعد في العادة مشقة، وإن سُميت كلفة، فأحوال الإنسان كلها كلفة في هذه الدار" انتهى من "الموافقات" (2/ 214).

ثانياً:

من فعل شيئا من محظورات الإحرام لعذر – غير الجماع وقتل الصيد- فعليه فدية الأذى، ولا إثم عليه.

ومن فعلها متعمدا دون عذر، فعليه التوبة وتلزمه الفدية.

والفدية، على التخيير: ذبحُ شاة ، أو إطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع ، أو صيام ثلاثة أيام ؛ لقوله تعالى : ( وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) البقرة/196.

ولحديث كعب بن عجرة رضي الله عنه، لما احتاج أن يحلق رأسه وهو محرم ، فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَاحْلِقْ، وَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، أَوْ انْسُكْ نَسِيكَةً) البخاري (4190).

فإذا أخرجت أمك الفدية بذبح أو صدقة: فإنها تكون لفقراء ومساكين الحرم، أو للفقراء والمساكين في المكان الذي فَعلتْ فيه المحظور.

قال البهوتي رحمه الله: " وفدية الأذى، أي الحلق واللبس ونحوهما، كطيب وتغطية رأس، وكل محظور فعله خارج الحرم، ودم الإحصار: حيثُ وجد سببه، من حِل أو حَرم" انتهى من "الروض المربع" (ص265).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "شرح الكافي" : "الإنسان يخير فيما وجب لفعل محظور -سوى جزاء الصيد- بين أن يذبحه في مكانه، لوجود سببه فيه ، أو ينقله إلى مكة؛ لأن الأصل في الهدايا أن تكون بالغة الكعبة " انتهى من "تعليقات ابن عثيمين على الكافي" (3/ 463 بترقيم الشاملة).

 ثالثاً:

إذا كانت البنت المذكورة تدخل في صنف الفقراء والمساكين، ولا تجب على الأم نفقتها؛ بأن كانت مستقلة مع زوجها: فيجوز للأم أن تعطي ابنتها من فدية الأذى.

قال زكريا الأنصاري رحمه الله: "ويعتبر في المسكين والفقير: أن يكونا من أهل الزكاة، فلا يجزئ الدفع إلى كافر . . . ولا إلى من تلزمه نفقته . . . لأن الكفارة حق لله تعالى، فاعتبروا فيها صفات الزكاة " انتهى من وقال من "أسنى المطالب" (3/369).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب