الحمد لله.
أولاً:
ما فعلته من ذكر محاسن الشخص الذي تمت غيبته في المجلس هو من رد الغيبة عن أخيك، وهو من الأعمال التي حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم وبين فضلها وأجرها.
فعن عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ القِيَامَةِ الترمذي (1931) وصححه الالباني.
قال ابن علان رحمه الله: "أي: بأن يمنع من يريد اغتياب المؤمن عنها، إما قبل الوقوع بالزجر والردع عنها، وإما بعده برد ما قاله عليه، وإن كان ذلك الإنسان بخلافه.
(رد الله عن وجهه النار يوم القيامة) وذلك: لأنه رد مريد الغيبة عن عذابها لو فعلها، فجوزي بردها عنه في الآخرة، ورد عن المغتاب ما يلقاه مما رمى به ممن اغتابه، فردها الله عنه." انتهى من "دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين" (8/ 354):
وقال الشيخ عبد الله الفوزان حفظه الله: "الحديث دليل على فضل من أنكر الغيبة، ودافع عن عرض أخيه المسلم في مجلس اغتيب فيه، وأن الله تعالى يرد النار عن وجهه يوم القيامة، كما رد عن عرض أخيه.
وهذا من مهمات الآداب وحقوق الإسلام التي يجب على حاضر مجلس الغيبة أن يتحلى به، وذلك لأن المغتاب ظالم لأخيه، آكل لحمه، والواجب هو ردع الظالم ونصرة المظلوم.
وهذا الأدب الكريم ورد في أحاديث صحيحة من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - القولية والفعلية والتقريرية" منحة العلام في شرح بلوغ المرام (10/ 351).
ويكون قولك أقوى في رد الغيبة عن أخيك، والذب عن عرضه، إذا كان بعكس ما قالوه؛ فمن اتهم مسلما عندك بالنفاق مثلا، تقول: أشهد ما علمت إلا خيرا، أو اغتابه بنقيصة الكذب، فتذكر صدقه وسلامة منطقه، وهكذا؛ فيكون ذلك ذبا ظاهرا عن عرض المسلم، وردا لغيبته؛ ولو لم تقل لهم : إنكم أخطأتم فيما ذكرتم عنه.
ثانياً:
مع ما صنعت من الدفاع عن أخيك يجب عليك تذكيرهم بحكم الغيبة، وعقوبة فاعلها، وأنها من كبائر الذنوب؛ إن لم ينتبهوا إلى أنك ترد عليهم غيبتهم، أو تنهاهم عنها، أو لم يكن كلامك وذكرك لأخيك ظاهرا في ذلك.
فإن عدلوا عنها فالحمد الله، ولك أجر تذكيرهم ورد الغيبة عن أخيك. وإن لم يستجيبوا فلا يجوز الجلوس في مجلسهم حتى يكفوا عن الغيبة.
قال النووي رحمه الله :"اعلم أنه ينبغي لمن سمع غِيبةَ مسلم أن يردّها ويزجرَ قائلَها , فإن لم ينزجرْ بالكلام زجرَه بيده , فإن لم يستطع باليدِ ولا باللسان، فارقَ ذلكَ المجلس.
فإن سمعَ غِيبَةَ شيخه أو غيره ممّن له عليه حقّ أو كانَ من أهل الفضل والصَّلاح كان الاعتناءُ بما ذكرناه أكثر .روينا في كتاب الترمذي عن أبي الدرداء رضي اللّه عنه عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال : ( مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أخِيهِ ، رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ القِيامَةِ ) قال الترمذي : حديث حسن " انتهى من "الأذكار " (ص: 795) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :" أنا فتاة أكره الغيبة والنميمة ، وأكون أحيانا في وسط جماعة يتحدثون عن أحوال الناس ، ويدخلون في الغيبة والنميمة ، وأنا في نفسي أكره هذا وأمقته ، ولكوني شديدة الخجل، فإنني لا أستطيع أن أنهاهم عن ذلك ، وكذلك لا يوجد مكان حتى أبتعد عنهم ، ويعلم الله أنني أتمنى أن يخوضوا في حديث غيره ، فهل علي إثم في جلوسي معهم ؟ وما الذي يتوجب فعله ؟ وفقكم الله لما فيه خير الإسلام والمسلمين .
فأجاب: " عليك إثم في ذلك؛ إلا أن تنكري المنكر ، فإن قبلوا منك، فالحمد لله ، وإلا وجب عليك مفارقتهم ، وعدم الجلوس معهم ؛ لقول الله سبحانه وتعالى : ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) الأنعام/68 ، وقوله عز وجل : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ ) النساء/140 ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ , فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ , فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ , وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ ) خرجه الإمام مسلم في صحيحه. والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، والله ولي التوفيق " انتهى من " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (4/440).
والله أعلم.
تعليق