الحمد لله.
أولا:
ذهب جمهور الفقهاء إلى اشتراط الطهارة لصحة الطواف، وأن من طافت وهي حائض لم يصح طوافها، وهي باقية على إحرامها إن كانت أحرمت، ولا يصح نكاحها، لعدم صحة نكاح المحرم، ويلزمها الرجوع وإتمام النسك حال طهرها، وإن كان حصل جماع، فإن عمرتها تفسد، ويلزمها إتماما، وقضاؤها، كما يلزمها تجديد عقد النكاح، والفدية عما ارتكبته من محظور، إلا أن تكون جاهلة، فتعذر عند بعض الفقهاء.
وإذا أنجبت قبل تجديد العقد، فإن الأولاد ينسبون إلى أبيهم؛ لاعتقادهما صحة النكاح.
وينظر: جواب السؤال رقم: (140351).
وذهب الحنفية إلى أن الطهارة لا تشترط للطواف، فتصح عمرتها وعليها بدنه.
وعن أحمد رواية: يصح الطواف، وعليها شاة.
واختار شيخ الإسلام صحة الطواف للعذر، وأنه لا يلزمها شيء.
قال المرداوي رحمه الله: " وعنه [أي عن أحمد]: يصح من الحائض، تجبره بدم، وهو ظاهر كلام القاضي.
واختار الشيخ تقي الدين الصحة منها، ومن كل معذور، وأنه لا دم على واحد منهما" انتهى من "الإنصاف" (4/ 16).
وينظر: "بدائع الصنائع" (1/34)، "المغني" (3/186)، "الموسوعة الفقهية" (17/126).
وعلى هذا القول؛ فالعمرة صحيحة، والنكاح صحيح.
ثانيا:
الطلاق الواقع في هذا النكاح طلاق صحيح، سواء قلنا بصحة النكاح أو فساده.
أما على القول بصحة النكاح، فظاهر.
وأما على القول بفساده؛ فلأنه نكاح مختلف فيه، والطلاق يقع في النكاح المختلف فيه.
وهذا النكاح مختلف فيه من جهتين:
الأولى: الاختلاف في صحة العمرة، كما تقدم، ففساد النكاح مبني على أمر مختلف فيه، وهو كونك لازلت محرمة.
الثانية: أن نكاح المحرمة مختلف فيه، والجمهور على فساده، وذهب الحنفية إلى صحته.
قال ابن قدامة رحمه الله: " مسألة: قال: (ولا يتزوج المحرم، ولا يزوج، فإن فعل، فالنكاح باطل) قوله: (لا يتزوج) أي لا يقبل النكاح لنفسه، (ولا يزوِّجْ)؛ أي: لا يكون وليا في النكاح، ولا وكيلا فيه.
ولا يجوز تزويج المحرمة أيضا.
روي ذلك عن عمر، وابنه وزيد بن ثابت - رضي الله عنهم - وبه قال سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، والزهري، والأوزاعي، ومالك، والشافعي.
وأجاز ذلك كله ابن عباس. وهو قول أبي حنيفة؛ لما روى ابن عباس، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج ميمونة وهو محرم متفق عليه.
ولأنه عقد يملك به الاستمتاع، فلا يحرمه الإحرام، كشراء الإماء.
ولنا: ما روى أبان بن عثمان، عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يَنكِح المحرم، ولا يُنكِح، ولا يخطب رواه مسلم...
فأما حديث ابن عباس، فقد روى يزيد بن الأصم، عن ميمونة، أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها حلالا، وبنى بها حلالا، وماتت بسرف، في الظلة التي بنى بها فيها . رواه أبو داود، والأثرم.
وعن أبي رافع، قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو حلال، وبنى بها وهو حلال، وكنت أنا الرسول بينهما . قال الترمذي: هذا حديث حسن.
وميمونة أعلم بنفسها، وأبو رافع صاحب القصة، وهو السفير فيها، فهما أعلم بذلك من ابن عباس، وأولى بالتقديم لو كان ابن عباس كبيرا؛ فكيف وقد كان صغيرا لا يعرف حقائق الأمور، ولا يقف عليها" انتهى من "المغني" (3/ 306).
وإذا كان النكاح مختلفا فيه، وقع فيه الطلاق.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " الطلاق في النكاح الفاسد المختلف فيه: يقع عند مالك وأحمد وغيرهما من الأئمة " انتهى من "مجموع الفتاوى" (32/101).
ثالثا:
إذا كنت قد اعتمرت عمرة واحدة بعد تلك العمرة، فإنها تُتم عمرتك، إلا أنه لحصول الجماع، فإن العمرة الأولى تفسد، وتكون هذه العمرة متممة لها، ثم يلزمك قضاؤها.
وذلك أن من أفسد العمرة، لزمه إتمامها، ثم قضاؤها.
وعليه؛ فيلزمك الآن قضاء تلك العمرة، أولَ ما يمكنك ذلك.
والحاصل: أنه لا يلزمك غير قضاء العمرة، وأما المحظورات التي ارتكبت خلال هذه المدة، من طيب وقص شعر وظفر، فلا يلزمك فيه شيء؛ للجهل.
والله أعلم.
تعليق