الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

ما سبب اختلاف الصحابة في المسألة المشرّكة أو الحمارية؟

496015

تاريخ النشر : 05-02-2024

المشاهدات : 7414

السؤال

هناك مسألة في الميراث، هلك فيها هالك، وأبقى على عدد من الأفراد، منهم إخوة أشقاء، وإخوة لأم، وورث فيها الإخوة لأم، ولم يكن للإخوة الاشقاء نصيب، وشكى أحدهم ذلك لعمر، وفي نهاية الأمر قسّم عمر رضي الله عنه المال بين جميع الإخوة الاشقاء ولأم بالسوية، وهو ما لم أفهمه، حيث إن الورث أمر حدده الله تعالى في الشرع، فكيف يكون هناك اجتهاد بعد النص؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

الميراث تولى الله قسمته في كتابه في أول سورة النساء وآخرها، ولهذا اتفق العلماء من الصحابة ومن بعدهم على أكثر مسائله، وحصل الخلاف في مسائل يسيرة منه، بناء على اجتهادهم في فهم النصوص الواردة.

فالاجتهاد هنا ليس مقابلا للنص، ولا معارضا له، لكنه اجتهاد في فهم النصوص الواردة، كما سيتبين.

ثانيا:

المسألة المشار إليها تسمى: المشرَّكة، أو الحمارية، أو الحجرية.

وصورتها: أن تتوفى امرأة عن: زوج، وأم أو جدة، وإخوة لأم، وإخوة أشقاء.

فللزوج النصف، وللأم أو الجدة السدس، وللإخوة لأم الثلث.

وهذا منصوص القرآن في حق هؤلاء الثلاثة.

وحصل الخلاف في توريث الإخوة الأشقاء.

قال الله في الإخوة لأم: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ النساء/12.

فالإخوة لأم من أصحاب الفروض، وفرضهم في حال كونهم اثنين فأكثر: الثلث، يُقسم بينهم بالتساوي.

وأما الإخوة لأب، فعصبة، والعصبة ترث ما زاد عن أصحاب الفروض، فإن لم يزد شيء، فلا إرث لهم.

قال صلى الله عليه وسلم:  أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ  رواه البخاري (6732)، ومسلم (1615) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

وإذا قسمت التركة على الزوج، والأم، والأخوة لأم، لم يبق شيء للعصبة.

نصف+ سدس+ثلث= واحد صحيح.

فمن نظر إلى ذلك، قال: لا شيء للإخوة الأشقاء؛ لأنهم عصبة، وقد استغرقت الفروض التركة، فلم يبق شيء للعصبة، وإلى هذا ذهب جماعة من الصحابة، وبه قال أبو حنيفة وأحمد.

ومن نظر إلى أن الإخوة الأشقاء مشاركون للإخوة لأم، في الأم، قال بتوريثهم، وشرّكم مع الإخوة لأم، وقال: هم جميعا إخوة للميت من جهة الأم، وكونهم أشقاء له، أي شاركوه في الأب أيضا، لا يضر، فهب أن أباهم كان حجرا، أو كان حمارا؛ أليسوا مشاركين له في الأم، كما شاركه الإخوة لأم؟

وبهذا أخذ عمر رضي الله عنه، بعد أن احتج عليه الإخوة الأشقاء بما ذكرنا، وقالوا: هب أن أبانا كان حمارا؛ أليست أمنا واحدة؟ فشرّك بينهم.

وبهذا أخذ جماعة من الصحابة، ومالك والشافعي.

قال ابن قدامة رحمه الله في حكاية هذا الخلاف:

" هذه المسألة تسمى المشرَّكة، وكذلك كل مسألة اجتمع فيها: زوج، وأم أو جدة، واثنان فصاعدا من ولد الأم، وعصبة من ولد الأبوين [أي أشقاء]، وإنما سميت المشرّكة؛ لأن بعض أهل العلم شرّك فيها بين ولد الأبوين وولد الأم، في فرض ولد الأم، فقسمه بينهم بالسوية.

وتسمى الحمارية؛ لأنه يروى أن عمر - رضي الله عنه - أسقط ولد الأبوين، فقال بعضهم: يا أمير المؤمنين هب أن أبانا كان حمارا أليست أمنا واحدة؟ فشرّك بينهم. ويقال: إن بعض الصحابة قال ذلك فسميت الحمارية لذلك.

واختلف أهل العلم فيها قديما وحديثا، فذهب أحمد رضي الله عنه فيها إلى أن للزوج النصف، وللأم السدس، وللإخوة من الأم الثلث، وسقط الإخوة من الأبوين؛ لأنهم عصبة، وقد تم المال بالفروض.

ويروى هذا القول عن علي، وابن مسعود، وأبي بن كعب، وابن عباس، وأبي موسى رضي الله عنهم. وبه قال الشعبي، والعنبري، وشريك، وأبو حنيفة، وأصحابه رضي الله عنهم، ويحيى بن آدم، ونعيم بن حماد، وأبو ثور، وابن المنذر.

وروي عن عمر، وعثمان، وزيد بن ثابت، رضي الله عنهم، أنهم شرّكوا بين ولد الأبوين وولد الأم في الثلث، فقسموه بينهم بالسوية، للذكر مثل حظ الأنثيين.

وبه قال مالك، والشافعي - رضي الله عنهما -، وإسحاق؛ لأنهم ساووا ولد الأم في القرابة التي يرثون بها، فوجب أن يساووهم في الميراث؛ فإنهم جميعا من ولد الأم، وقرابتهم من جهة الأب إن لم تزدهم قربا واستحقاقا، فلا ينبغي أن تسقطهم؛ ولهذا قال بعض الصحابة وبعض ولد الأبوين لعمر وقد أسقطهم: هب أن أباهم كان حمارا، فما زادهم ذلك إلا قربا فشرّك بينهم" انتهى من "المغني" (6/ 280).

فقد تبين بهذا أن هذه المسألة من مسائل الاجتهاد، وأن النصوص تحتمل القولين، ولهذا اختلف فيها الصحابة ومن بعدهم.

ولمعرفة حجج الفريقين، ينظر تتمة كلام صاحب المغني.

والمقصود:

أن هذه المسائل في جملة مسائل يسيرة من مسائل المواريث، كمسألة الجد والإخوة، حصل فيها خلاف، بناء على الاجتهاد في فهم النصوص الواردة فيها.

وأما قاعدة: "لا اجتهاد مع النص" فالمراد بالنص: (النص) الذي لا يَحتمل معنى آخر، ولا يعارضه نصٌّ آخر، فلو عارضه في الظاهر نص آخر، لزم الاجتهاد للجمع بينهما، أو لمعرفة الناسخ، أو الراجح منهما.

قال الدكتور محمد صديق البرنو: "قولهم: "لا اجتهاد مع النص" : فهذه القاعدة تفيد تحريم اجتهاد في حكم مسألة ورد فيها نص من الكتاب أو السنة أو الإجماع؛ لأنه إنما يُحتاج للاجتهاد عند عدم وجود النص، أما عند وجوده فلا اجتهاد إلا في فهم النص ودلالته" انتهى من "موسوعة القواعد الفقهية" (1/ 39).

والله أعلم.


 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب