الحمد لله.
جرى العمل على تخصيص الأطفال بالنداء عند الصلاة على الجنازة، والظاهر أن ذلك لأجل تنبيه المصلين على الدعاء الخاص بالأطفال، وهو ما ذكره بعض الفقهاء، وجاء في بعضه روايات متكلم فيها، ولكنهم استحبوا تخصيص الطفل بدعاء خاص بخلاف الدعاء للكبير بالمغفرة، لأن الصغير لا ذنب عليه.
ومن ذلك ما رواه البخاري معلقاً، باب: يقرأ فاتحة الكتاب على الجنازة
وقال الحسن: يُقرأ على الطفل بفاتحة الكتاب ويقول: اللهم اجعله لنا فرطاً وسلفاً وأجراً".
ووصله ابن حجر في تغليق التعليق، (2/ 424)، وحسنه الألباني في أحكام الجنائز، ص161، وانظر فتح الباري لابن حجر(3/ 203).
قال ابن قدامة رحمه الله: " وإن كان الميت طفلاً ، جعل مكان الاستغفار له : " اللهم اجعله فرطاً لوالديه , وذخراً وسلفاً وأجراً , اللهم ثقل به موازينهما , وأعظم به أجورهما , اللهم اجعله في كفالة إبراهيم وألحقه بصالح سلف المؤمنين , وأجره برحمتك من عذاب الجحيم , وأبدله داراً خيراً من داره , وأهلاً خيراً من أهله ... ونحو ذلك .
وبأي شيء دعا مما ذكرنا أو نحوه أجزأه، وليس فيه شيء مؤقت " انتهى من "المغني" (3/ 416).
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل ورد في السنة دعاء خاص يدعى به للطفل الميت في الصلاة عليه؟
فأجاب: "ليس فيه سنة صحيحة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن وردت أحاديث في صحتها نظر، وهو أن الطفل الذي لم يبلغ يدعى لوالديه، وقد ذكر بعض الفقهاء دعاءً مناسباً قالوا: اللهم اجعله فرطاً لوالديه، وذخراً وشفيعاً مجاباً، اللهم ثقل به موازينهما وأعظم به أجورهما، وألحقه بصالح سلف المؤمنين، واجعله في كفالة إبراهيم، وقه برحمتك عذاب الجحيم" انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (35/ 10بترقيم الشاملة).
ثانياً:
أما الدعاء للطفل بالتثبيت، فلم نقف على كلام صريح في خصوص ذلك.
لكن اختلف أهل العلم في نفس سؤال الأطفال، على قولين؛ وعلى القولين ينبني القول بالدعاء لهم بالثبات عند السؤال.
قال ابن القيم رحمه الله:
"الأطفال هل يُمْتَحنون في قبورهم؟
اختلفَ الناس في ذلك على قولين، هما وجهان لأصحاب أحمد.
وحجة من قال إنهم يُسألون: أنه تُشرَع الصلاة عليهم، والدعاء لهم، وسؤالُ الله أن يَقِيَهم عذاب القبر وفتنة القبر؛ كما ذكر مالكٌ في موطَّئه عن أبي هريرة أنه صلَّى على جنازة صبيٍّ، فسُمِع من دعائه: اللهم قِهِ عذاب القبر.
واحتجُّوا بما رواه علي بن معبد عن عائشة: أنَّه مُرَّ عليها بجنازة صبيٍّ صغير، فبكت، فقيل لها: ما يُبكيك يا أمَّ المؤمنين؟ فقالت: هذا الصبي بكيتُ له شفقةً عليه من ضَمَّة القبر.
واحتجوا بما رواه هنَّاد بن السَّريّ، ثنا أبو معاوية عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة قال: إن كان لَيُصلِّي على المنفُوسِ، ما إن عمل خطيئةً قطُّ، فيقول: اللهم أَجِرْه من عذاب القبر.
قالوا: والله سبحانه يُكمِل لهم عقولهم ليعرفوا بذلك منزلتهم، ويُلهَمون الجوابَ عما يُسألون عنه.
قالوا: وقد دلَّ على ذلك الأحاديث الكثيرة التي فيها أنهم يُمتحنون في الآخرة. وحكاه الأشعريُّ عن أهل السنّة والحديث، فإذا امتُحِنوا في الآخرة، لم يمتنع امتحانهم في القبور.
وقال الآخرون: السؤال إنما يكون لمن عَقَل الرسولَ والمرسِل، فيُسأل: هل آمن بالرسول وأطاعه أم لا؟ فيقال له: ما كنتَ تقول في هذا الرجل الذي بُعث فيكم؟ فأما الطفلُ الذي لا تمييزَ له بوجه ما، فكيف يقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل الذي بُعِث فيكم؟ ولو رُدَّ إليه عقله في القبر فإنه لا يُسأل عما لم يتمكَّن من معرفته والعلم به، فلا فائدة في هذا السؤال.
وأما حديث أبي هريرة: فليس المرادُ بعذاب القبر فيه عقوبة الطفل على ترك طاعة أو فعلِ معصية قطعًا، فإنّ الله لا يعذِّب أحدًا بلا ذنبٍ عَمِله، بل عذاب القبر قد يراد به الألمُ الذي يحصلُ للميت بسبب غيره، وإن لم يكن عقوبةً على عملٍ عَمِله. ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: إنّ الميِّت لَيُعَذَّبُ ببكاء أهله عليه. أي: يتألَّم بذلك ويتوجَّع منه، لا أنه يعاقَبُ بذنب الحيِّ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام: 164].
وهذا كقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: السفر قطعة من العذاب؛فالعذابُ أعمُّ من العقوبة.
ولا ريبَ أنَّ في القبر من الآلام والهموم والحسرات ما قد يَسْري أثرُه إلى الطفل، فيتألمُ به، فيشرعُ للمصلِّي عليه أن يسأل الله تعالى له أن يَقِيَه ذلك العذاب. والله أعلم" انتهى من "كتاب الروح" (1/ 265).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله:
" وأما الفتنة في القبور: فهي الامتحان والاختبار للميت، حين يسأله الملكان فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم " محمد "؟ فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت، فيقول المؤمن: الله ربي والإسلام ديني ومحمد نبيي. ويقول: هو محمد رسول الله جاءنا بالبينات والهدى، فآمنا به واتبعناه. فينتهرانه انتهارة شديدة - وهي آخر فتنه التي يفتن بها المؤمن - فيقولان له: كما قالا أولا.
وقد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الفتنة، من حديث البراء بن عازب وأنس بن مالك وأبي هريرة وغيرهم رضي الله عنهم.
وهي عامة للمكلفين؛ إلا النبيين، فقد اختلف فيهم.
وكذلك اختُلف في غير المكلفين، كالصبيان والمجانين:
فقيل: لا يفتنون؛ لأن المحنة إنما تكون للمكلفين. وهذا قول القاضي وابن عقيل. وعلى هذا فلا يُلَقَّنون بعد الموت.
وقيل: يُلقنون، ويفتنون أيضا. وهذا قول أبي حكيم، وأبي الحسن بن عبدوس ونقله عن أصحابه، وهو مطابق لقول من يقول: إنهم يُكلفون يوم القيامة، كما هو قول أكثر أهل العلم وأهل السنة من أهل الحديث والكلام. وهو الذي ذكره أبو الحسن الأشعري رضي الله عنه عن أهل السنة واختاره، وهو مقتضى نصوص الإمام أحمد". انتهى، من "مجموع الفتاوى" (4/257).
وفي "الاختيارات الفقهية" لشيخ الإسلام، جمع أبي الحسن البعلي (89):
" وغير المكلف: يُمتَحن، ويُسأل. وهو أحد الوجهين في مذهب أحمد .." انتهى.
واختار الشيخ ابن باز القول الثاني حيث قال رحمه الله:
"ظاهر الأحاديث أنه يسأل المكلفون، أما الطفل ما عليه شيء، ظاهر الأحاديث أن الميت المكلف يسأل عن ربه، وعن دينه، وعن نبيه، أما الطفل فلا أعلم في هذا ما يدل على أنه يسأل؛ لأن الأطفال بإجماع أهل السنة من أهل الجنة، أطفال المسلمين من أهل الجنة" انتهى من "فتاوى نور على الدرب لابن باز" (13/ 475).
والظاهر أن الأمر في الدعاء بالتثبيت للأطفال: واسع؛ فمن دعا للطفل بالتثبيت: فلا حرج عليه، وليس هناك دليل ظاهر في المنع منه، بل هو موافق لما نقله شيخ الإسلام عن أكثر أهل العلم والسنة. وأهوال القبر شأنها عظيم، وإذا قدر أن الصبي لا يسأل سؤال البالغين؛ فأهوال القبر وأحواله: شيء مفظع، نسأل الله أن يؤنسنا وحشتنا فيه، وأن يثبتنا عند السؤال.
والله أعلم
تعليق