الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

التفرغ لطلب العلم وترك العمل والتكسب!

501298

تاريخ النشر : 11-03-2024

المشاهدات : 3963

السؤال

رجل يبلغ من العمر 35 عام ولا يعمل بحجه انه يتفرغ لطلب العلم الشرعي والتفرغ للعبادة . رغم أنه لا يملك قوت يومه

الجواب

الحمد لله.

أولاً:

لا شك أن التفرغ لطلب العلم من أعظم القربات، وحاجة الأمة لذلك اليوم أكثر من أي وقت مضى، وقد رتب الله الأجر العظيم على طلب العلم، ورفع صاحبه في الدنيا والآخرة.

وقد سبق بيان ذلك بأدلته في إجابات سابقة يحسن الرجوع إليها (258224) (10471)

ثانياً:

الواجب على المسلم الموازنة بين الواجبات، فمن كانت له ملاءَة مالية، وبُلْغةٌ، ونفقة تكفيه وتكفي من يلزمه إعالتهم: شُرِع له التفرغ للعلم والدعوة والعبادة -ومن أفضل العبادات طلب العلم وتعليم الناس-.

ويقوى ذلك في حق الشخص المعين: إذا كان قد أخذ في طلب العلم، وظهر انتفاعه به، ونفعه بعلمه، وحاجة المكان، أو الوقت إلى مثله.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله: " وكذلك أهل العلم الذين يحفظون على الأمة الكتاب والسنة: صورة ومعنى؛ مع أن حفظ ذلك واجب على الأمة عموما على الكفاية منهم ومنه ما يجب على أعيانهم وهو علم العين الذي يجب على المسلم في خاصة نفسه.

لكن وجوب ذلك عينا وكفاية على أهل العلم الذين رأسوا فيه، أو رزقوا عليه: أعظم من وجوبه على غيرهم؛ لأنه واجب بالشرع عموما، وقد يتعين عليهم لقدرتهم عليه، وعجز غيرهم.

ويدخل في القدرة: استعداد العقل، وسابقة الطلب، ومعرفة الطرق الموصلة إليه؛ من الكتب المصنفة والعلماء المتقدمين، وسائر الأدلة المتعددة، والتفرغ له عما يشغل به غيرهم.

ولهذا مضت السنة: بأن الشروع في العلم والجهاد يلزم، كالشروع في الحج؛ يعني: أن ما حفظه من علم الدين وعلم الجهاد ليس له إضاعته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من قرأ القرآن ثم نسيه لقي الله وهو أجذم رواه أبو داود. وقال: عرضت علي أعمال أمتي - حسنها وسيئها - فرأيت في مساوئ أعمالها الرجل يؤتيه الله آية من القرآن ثم ينام عنها حتى ينساها، وقال: من تعلم الرمي ثم نسيه فليس منا رواه مسلم". انتهى، من "مجموع الفتاوى" (28/186-187).

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم (269819)

وأما من لم يكن لديه ملاءة مالية يستغني بها عن الآخرين، فمثل هذا يجب عليه التكسب والعمل لينفق على نفسه وعلى من تلزمه نفقته، ويتعفف عن سؤال الناس، والحاجة إليهم. وليس له أن يترك العمل والكسب، ثم يسأل الناس، أعطوه، أو منعوه!!

وقد جاء الشرع برفع الهمم، وعزة النفس، والاستغناء عن الآخرين.

وفي مسألة الناس، لا سيما في هذه الأزمان، ما لا يخفى من الغضاضة وانخفاض الحال عندهم، فتضعف نفسه، وتنكسر لأصحاب الجاه والمال، ويضعف قيامه عليهم بالقسط، وقيامه بواجب البيان والتعليم، والأمر والنهي. ومن هنا قال من قال: لا تزال معظما في أعين الناس؛ ما لم تسأل ما في أيديهم!!

عن الزبير بن العوام رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لأن يأخذ أحدكم حبله، فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها، فيكف الله بها وجهه، خير له من أن يسأل ‌الناس، ‌أعطوه ‌أو ‌منعوه) رواه البخاري (1402).

قال ابن عبد البر رحمه الله: "قال أبو عمر: وما زال ذوو الهمم والأخطار من الرجال يتنزهون عن السؤال" انتهى من "التمهيد" (3/ 209).

قال ابن الأمير الصنعاني رحمه الله: "الحديث دليل على قبح السؤال مع الحاجة، وفيه الحث على الاكتساب، ولو أدخل على نفسه المشقة، وذلك لما يدخل السائل على نفسه من ذل السؤال وذلة الرد إن لم يعطه المسئول" انتهى من "«سبل السلام" (4/ 69).

وعن حكيم ابن حزام رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (‌اليد ‌العليا خير من اليد ‌السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله) رواه البخاري (1361).

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "النفقة على الأهل أفضل من الإنفاق في سبيل الله، وأفضل من الإنفاق في الرقاب، وأفضل من الإنفاق على المساكين؛ وذلك لأن الأهل ممن ألزمك الله بهم، وأوجب عليك نفقتهم، فالإنفاق عليهم فرض عين، والإنفاق على من سواهم فرض كفاية، وفرض العين أفضل من فرض الكفاية" انتهى من "شرح رياض الصالحين لابن عثيمين" (3/ 158).

وعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ يَتَقَبَّلُ لِي بِوَاحِدَةٍ وَأَتَقَبَّلُ لَهُ بِالْجَنَّةِ؟ " قَالَ: قُلْتُ: أَنَا. قَالَ: " لَا تَسْأَلِ النَّاسَ شَيْئًا " فَكَانَ ثَوْبَانُ يَقَعُ سَوْطُهُ وَهُوَ رَاكِبٌ، فَلَا يَقُولُ لِأَحَدٍ نَاوِلْنِيهِ حَتَّى يَنْزِلَ فَيَتَنَاوَلَهُ" رواه أحمد (22385) وابن ماجة (1499) وصححه الألباني.

ثالثاً:

على المؤمن الحريص على طلب العلم أن يسدد ويقارب، ويجتهد في التوفيق بين عمله وتكسبه، وبين طلب العلم في الأوقات المتاحة، وفي الوسائل المتاحة، وقد تيسرت بفضل من خلال الدروس المتاحة في شبكة الأنترنت، وما أكثرها، وبسؤال ما أشكل عليه في المواقع المختصة والموثوقة، ومن يعرف من العلماء وطلبة العلم.

وإن تيسر في الإجازات وأوقات الفراغ حضور ما أمكن من الدورات العلمية والتلقي المباشر عن أهل العلم ففي ذلك خير كبير، وتجمع بين الخيرين.

وفقك الله ونفع بك ويسر لك الرزق والطلب، وجعلك مباركاً أينما كنت.

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب