الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

هل يجوز بيع أرض للورثة مع رفض أحدهم؟

502839

تاريخ النشر : 23-05-2024

المشاهدات : 6252

السؤال

باع أحد الورثة أرضا بموافقة أغلب الورثة لاحتياجهم الشديد للمال، ولكن بعض الورثة لم يوافقوا، لكن بعد ما تمت البيعة رفض أحد الورثة الغير الموافقين على البيعة استلام نصيبه؛ بحجة أن البيعة باطلة. السؤال هو: هل البيعة باطلة ؟ وماذا نفعل بنصيبه الذي رفض استلامه، علما أنه توفر لديه المال لشراء نصيب الورثة؟

الجواب

الحمد لله.

أولاً:

لا يجوز للشريك أن يبيع نصيب شريكه. إلا بإذنه ورضاه؛ لأن الأصل أنه لا يُتصرف في ملك الغير إلا بإذنه ورضاه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ رواه أحمد (20172) وصححه الألباني في "الإرواء" (1459).

وهذا يشمل أخذ ماله، أو التصرف فيه بأي نوع من التصرف، إلا أن يُعلم رضاه بذلك.

قال الكاساني: " فأما شركة الأملاك: فحكمها ... أن كل واحد من الشريكين كأنه أجنبي في نصيب صاحبه، لا يجوز له التصرف فيه بغير إذنه" انتهى من" بدائع الصنائع" (6/ 65).

كما أنه لا يجوز لأحد من الشريكين أن يبيع نصيبه من الأرض إلا بعد إعلام شريكه، لما له من حق الشفعة، فإن رغب به أخذه بثمنه.

فعن جابر رضي الله عنه، قال: "قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شِرْكَةٍ لَمْ تُقْسَمْ، رَبْعَةٍ أَوْ حَائِطٍ، لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، فَإِذَا بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ" رواه مسلم (1068).

ثانياً:

الأرض المشار إليها في السؤال لها حالتان:

الحالة الأولى: أن تكون الأرض كبيرة يمكن قسمتها من غير ضرر، والاستفادة منها بعد القسم.

ففي هذه الحالة يفصل نصيب الشريك الذي رفض البيع، أو كان غائباً، ويباع الباقي.

قال البهوتي رحمه الله: "وأما ما لا ضرر في قسمته ولا رد عوض في قسمته، كالقرية والبستان ‌والدار ‌الكبيرة والأرض الواسعة، والدكاكين الواسعة ... ونحوها، إذا طلب الشريك قسمتها: أجبر شريكه الآخر عليها، إن امتنع من القسمة مع شريكه" انتهى من "الروض المربع" (ص716).

فإن باعوا بدون رضاه صح البيع في نصيبهم دون نصيبه، إذا لم يطلب الشفعة.

فإن طلبها أخذ الأرض بالسعر الذي تم عليه العقد مع المشتري.

الحالة الثانية: أنّ تكون الأرض مما لا يمكن قسمتها إلا بوقوع الضرر، كالأراضي الصغيرة، أو التي لا ينتفع بها إذا قُسمت، وأراد بعض الشركاء بيع نصيبه:

فهذه إما أن يأخذها الأخ الذي يرفض البيع، بالشفعة، إن كان يملك ثمنها عند رغبة الشركاء في البيع.

وإما أن تُباع قهراً عنه، ويقسم ثمنها حسب نصيبهم في التركة؛ لأنّ عدم رضاه بالبيع، أو أخذه بالشفعة: ضرر على الشركاء.

وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:  لا ضرر ولا ضرار ابن ماجة (2369)، وصححه الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" (1909).

قال البهوتي رحمه الله فيما لا ينقسم إلا بضرر: "‌ومن ‌دعا ‌شريكه ‌فيها ‌إلى ‌بيع ‌أجبر، فإن أبى باعه الحاكم عليهما وقسم الثمن بينهما على قدر حصصهم" انتهى من "الروض المربع" (ص716).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وما لا يمكن قسمة عينه، إذا طلب أحد الشركاء بيعه: بيع، وقُسم ثمنه.

وهو ‌المذهب ‌المنصوص ‌عن ‌أحمد ‌في ‌رواية ‌الميموني، وذكره الأكثرون من الأصحاب" انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5/568).

وعليه: فإنه إذا كانت الأرض كبيرة يمكن تقسيمها على الشركاء بغير ضرر، فإنه يفصل نصيب الأخ الذي يرفض البيع، ويباع الباقي فقط، ويرد للمشتري قسطه من الثمن.

وإن كانت الأرض لا يمكن قسمتها إلا بضرر، فـالأخ الذي يرفض البيع بالخيار، إما أن يرضى ويقبل نصيبه من الثمن، أو يأخذها بحق الشفعة، ويستردها من المشتري قهراً بالسعر الذي تم العقد عليه، ويخصم له ثمن حصته من الثمن.

قال ابن قدامة رحمه الله: "والشفعة هي استحقاق انتزاع الإنسان حصة شريكه من مشتريها بمثل ثمنها، وهي ثابتة بالسنة والإجماع" انتهى من "الكافي في فقه الإمام أحمد" (2/232).

وينبغي للإخوة أن يتراضوا فيما بينهم، وألا يجعلوا مثل ذلك بابا لقطيعة الرحم.

فإن لم يتراضوا على أمر فيه يسر وإنصاف لهم؛ فلهم أن يرفعوا ذلك إلى القضاء الشرعي، ليفصل بينهم؛ نظرا لما حصل في ذلك من النزاع، ولأن المسألة قد تحتاج إجبارا من الحاكم على بيع الممتنع.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب