الحمد لله.
من نذر أن يوزع شيئا من الطعام على الفقراء إذا مات فلان، فهذا نذر طاعة، معلق على موت هذا الشخص؛ فإذا مات وجب الوفاء بالنذر. لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلا يَعْصِهِ) رواه البخاري (6202).
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (10/ 4): "والقسم الثاني: نذر طاعة وتبرر؛ مثل الذي ذكر الخرقي. فهذا يلزم الوفاء به؛ للآيتين والخبرين.
وهو ثلاثة أنواع:
أحدها: التزام طاعة في مقابلة نعمة استجلبها، أو نقمة استدفعها، كقوله: إن شفاني الله، فلله علي صوم شهر. فتكون الطاعةُ الملتَزَمةُ مما له أصل في الوجوب بالشرع، كالصوم والصلاة والصدقة والحج، فهذا يلزم الوفاء به، بإجماع أهل العلم" انتهى.
وقال البهوتي في كشاف القناع (14/ 487): ( نَذْر التبرُّر) أي: التقرُّب، يقال: تبرَّر تبرُّرًا، أي: تقرَّب تقرُّبًا (كنذر الصلاة، والصيام، والصدقة، والاعتكاف، وعيادة المريض، والحج، والعمرة، ونحوها عن القُرَب) كتجديد الوضوء، وغسل الجمعة، والعيدين (على وَجْهِ التقرُّب، سواء نذره مطلقًا، أو معلَّقًا بشرطٍ) لا يقصِد به المنعَ والحمل، (كقوله: إن شفى الله مريضي، أو سَلَّم مالي، أو طلعت الشمسُ، فلله عليَّ كذا، أو فعلتُ كذا، نحو: تصدَّقت بكذا. ونصَّ عليه) أحمد (في: إن قدم فلان، تصدقت بكذا، فهذا نَذْرٌ) صحيح، (وإن لم يصرح بذِكْرِ النذر؛ لأن دلالة الحال تدلُّ على إرادة النذر، فمتى وُجِدَ شَرْطُه) - إذا كان النذر معلَّقًا -: (انعقد نَذْرُه، ولزمه فِعْلُه)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله، فليُطِعْه). رواه البخاري.
وذمَّ الله تعالى الذين يَنذُرون ولا يوفون، وقال تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ. . . الآيات " انتهى.
لكن هنا أمران:
الأول: أن النذر المعلق على شيء: مكروه منهي عنه، ولا يقدِّم ولا يؤخر؛ لما روى البخاري (6608) ومسلم (1639) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّذْرِ، وَقَالَ: (إِنَّهُ لا يَرُدُّ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيل).
وروى البخاري (6609) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ - في الحديث القدسي-: (لَا يَأْتِ ابْنَ آدَمَ النَّذْرُ بِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ قَدْ قَدَّرْتُهُ، وَلَكِنْ يُلْقِيهِ الْقَدَرُ وَقَدْ قَدَّرْتُهُ لَهُ، أَسْتَخْرِجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ).
ومن أهل العلم من ذهب إلى تحريم النذر المعلق.
قال في المبدع (8/ 120): "ولا يستحب؛ لنهيه - عليه السلام - عنه، وقال: إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل متفق عليه.
وهذا نهي كراهة؛ لأنه لو كان حراما، لما مدح الموفين به، لأن ذمهم في ارتكاب المحرم، أشد من طاعتهم في وفائه، ولو كان مستحبا لفعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وقال ابن حامد: لا يرد قضاء، ولا يملك به شيئا محدثا.
وتوقف الشيخ تقي الدين في تحريمه، وحرمه طائفة من أهل الحديث" انتهى.
الثاني: أن النذر المعلق على موت فلان، فيه تمني الموت للغير، فيُنظر فيه، فإن كان ظالما أو مفسدا: فلا حرج في تمني موته.
قال ابن قاسم العبادي رحمه الله في حاشيته على تحفة المحتاج (7/ 75): " قال الصيمري: لو قال: إن رزقت ولدا، أو سلمت من سفري، أو مات فلان، أو وجدت كذا، فقد أوصيت بثلث مالي: جاز ذلك، وعمل بالشرط.
قلت: وهذا نذر في المعنى، فينظر في قوله: أو مات فلان وما أشبهها من القصد الصالح بذلك وغيره" انتهى.
والحاصل:
أن على أختك الوفاء بما نذرت.
والله أعلم.
تعليق