الحمد لله.
أولا :
إذا تابت المرأة من الزنى فـ (التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ) كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم. رواه ابن ماجه (4250)، وصححه الألباني.
فمن تابت من الزنا، فيرجى أن يكون ما يصيبها من مشقة وتعب في الحمل والرضاعة وتربية الولد ... إلخ كل ذلك مما يكفر عنها سيئاتها، وتثاب عليه، إن هي صبرت واحتسبت ثواب ذلك عند الله تعالى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"مَا أَصَابَهُ مِنْ الْمَصَائِبِ: مُكَفِّرٌ لِلذُّنُوبِ.
وَيُؤْجَرُ الْعَبْدُ عَلَى صَبْرِهِ عَلَيْهَا، وَيُرْفَعُ دَرَجَتُهُ بِرِضَاهُ بِمَا يَقْضِيهِ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْهَا.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ. قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: هُوَ الرَّجُلُ تُصِيبُهُ الْمُصِيبَةُ، فَيَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَيَرْضَى وَيُسَلِّمُ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ وَلَا نَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حَزَنٍ وَلَا غَمٍّ وَلَا أَذًى، حَتَّى الشَّوْكَةُ يشاكها؛ إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ ...
وَالدَّلَائِلُ عَلَى أَنَّ الْمَصَائِبَ كَفَّارَاتٌ كَثِيرَةٌ.
[و] إذَا صَبَرَ عَلَيْهَا، أُثِيبَ عَلَى صَبْرِهِ.
فَالثَّوَابُ وَالْجَزَاءُ: إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْعَمَلِ - وَهُوَ الصَّبْرُ - ؛ وَأَمَّا نَفْسُ الْمُصِيبَةِ فَهِيَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ، لَا مِنْ فِعْلِ الْعَبْدِ، وَهِيَ مِنْ جَزَاءِ اللَّهِ لِلْعَبْدِ عَلَى ذَنْبِهِ، وَتَكْفِيرِهِ ذَنْبَهُ بِهَا.
وَفِي الْمُسْنَدِ: ( أَنَّهُمْ دَخَلُوا عَلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَهُوَ مَرِيضٌ. فَذَكَرُوا أَنَّهُ يُؤْجَرُ عَلَى مَرَضِهِ فَقَالَ: مَا لِي مِنْ الْأَجْرِ وَلَا مِثْلُ هَذِهِ. وَلَكِنَّ الْمَصَائِبَ حِطَّةٌ ).
فَبَيَّنَ لَهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ نَفْسَ الْمَرَضِ لَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ، بَلْ يُكَفَّرُ بِهِ عَنْ خَطَايَاهُ.
وَكَثِيرًا مَا يُفْهَمُ مِنْ الْأَجْرِ غُفْرَانُ الذُّنُوبِ، فَيَكُونُ فِيهِ أَجْرٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ" انتهى ، "مجموع الفتاوى" (30/363) .
ثانيا :
يجب على الأم أن تنفق على ولدها من الزنى، إذا كانت مستطيعة .
قال ابن قدامة رحمه الله : "فإن أعسر الأب، وجبت النفقة على الأم، ولم ترجع بها عليه إن أيسر" انتهى من "المغني" (11/373).
هذا في حال وجود الأب وكان فقيرا، ففي حال عدم وجود الأب: أولى أن تكون النفقة على الأم .
فإن لم يكن معها مال ، فنفقته على ورثته ، كإخوته من الأم ، وجدته من الأم.
فإن لم يكن ، فنفقته على عصبة الأم، وهم أبوها وإخوانها ، وأبناء إخوانها ، وأعمامها وأبناء أعمامها.
وذلك لأمرين:
الأول: أن نفقة الأقارب معلقة بالإرث؛ لقول الله تعالى في نفقة المولود إذا لم يكن الأب موجودا (وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ)؛ فدل هذا على أن النفقة تكون على أقاربه الوارثين.
وينظر جواب السؤال رقم: (501061) ففيه بيان شروط وجوب النفقة على الأقارب .
الثاني: أن عصبة الأم عصبة لولدها من الزنى، فيرثونه، وعلى ذلك؛ فتلزمهم نفقته.
قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (4/417): "(و) يرث (ذو فرض منه)، أي من ولد زنا، ومنفي بلعان ونحوه (فرضه)، كغيره؛ لأن كونه لا أب له، لا تأثير له في منع ذي فرض من فرضه.
(وعصبته)، أي عصبة من لا أب له شرعا: (عصبة أمه). روي عن علي وابن عباس وابن عمر رضي الله تعالى عنهم...
ووجه قولنا: قولُه - صلى الله عليه وسلم -: ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو فلأولى رجل ذكر متفق عليه، وقد انقطعت العصوبة من جهة الأب، فبقي أولى الرجال به أقاربُ أمه، فيكون ميراثه بعد أخذ ذوي الفروض فرضهم له، وفي حديث سهل بن سعد في المتلاعنين فجرت السنة أنه يرثها وأنها ترث منه ما فرض الله لها رواه الشيخان.
ومفهومه: أنها لا ترث أكثر من فرضها، فيبقى الباقي لذوي قرابته، وهم عصبتها" انتهى.
وينظر للفائدة: رسالة ماجستير للشيخ إبراهيم بن عبد الله القصير من المعهد العالي للقضاء بالرياض، بعنوان : "الأحكام الخاصة بولد الزنى"، وقد رجح أن نفقة ولد الزنى على كل قريب وارث له، فإن لم يكن فعلى بيت المال.
والله أعلم .
تعليق