الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

ما مستند العلماء في بيان أمراض القلوب وعلاجها؟

508784

تاريخ النشر : 28-07-2024

المشاهدات : 1422

السؤال

كيف يمكن لابن القيم، ابن تيمية وابن الجوزي أن يعرفوا أمراض القلوب بهذا التفصيل والدقّة؟ وما هي المصادر الأخرى بالإضافة إلى وجود مراجع من القرآن والسنة؟

الجواب

الحمد لله.

دل القرآن والسنة على أن القلوب أنواع: قلب سليم، وقلب مريض، وقلب أغلف، كما قال تعالى: (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) الصافات/83، 84

وقال تعالى: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) الأحزاب/32

وقال تعالى: (وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ) البقرة/88

وقد روى أحمد (11129) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(الْقُلُوبُ أَرْبَعَةٌ:

قَلْبٌ أَجْرَدُ فِيهِ مِثْلُ السِّرَاجِ يَزْهَرُ، وَقَلْبٌ أَغْلَفُ مَرْبُوطٌ عَلَى غِلَافِهِ، وَقَلْبٌ مَنْكُوسٌ، وَقَلْبٌ مُصْفَحٌ.

فَأَمَّا الْقَلْبُ الْأَجْرَدُ: فَقَلْبُ الْمُؤْمِنِ؛ سِرَاجُهُ فِيهِ نُورُهُ.

وَأَمَّا الْقَلْبُ الْأَغْلَفُ: فَقَلْبُ الْكَافِرِ.

وَأَمَّا الْقَلْبُ الْمَنْكُوسُ: فَقَلْبُ الْمُنَافِقِ؛ عَرَفَ، ثُمَّ أَنْكَرَ.

وَأَمَّا الْقَلْبُ الْمُصْفَحُ: فَقَلْبٌ فِيهِ إِيمَانٌ وَنِفَاقٌ، فَمَثَلُ الْإِيمَانِ فِيهِ، كَمَثَلِ الْبَقْلَةِ يَمُدُّهَا الْمَاءُ الطَّيِّبُ، وَمَثَلُ النِّفَاقِ فِيهِ، كَمَثَلِ الْقُرْحَةِ يَمُدُّهَا الْقَيْحُ وَالدَّمُ، فَأَيُّ الْمَدَّتَيْنِ غَلَبَتْ عَلَى الْأُخْرَى، غَلَبَتْ عَلَيْهِ). لكن الحديث: إسناده ضعيف كما قال شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند.

قال السندي:

" قوله: قلب أجرد، أي: خالٍ عن الغلاف والنفاق.

ومُصْفح: بضم فسكون ففتح: هو القلب الذي اجتمع فيه الإيمان والنفاق، والمُصْفح: هو الذي له وجهان، يلقى أهل الكفر بوجه، وأهل الإيمان بوجه.. ".

وجاء التنبيه في الكتاب والسنة على كثير من أمراض القلوب، كالكبر والحسد والرياء والعجب، ومرض الشهوة واتباع الهوى.

واجتهد العلماء في بيان ذلك، وتفصيله، بذكر علامات المرض، وأسبابه، وطرق علاجه، وممن عُني بذلك: أبو حامد الغزالي، وابن الجوزي، وابن تيمية، وابن القيم وغيرهم.

ولو راجعت كلامهم لعلمت أنهم بنوه على أمور:

1-الكتاب والسنة، في بيان المرض والتحذير منه.

2-الآثار عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم.

3-الوقوف على أحوال المرضى، ومعرفة علامات المرض.

4-البصيرة في معرفة أحوال النفس، وما يعتريها، وطرق إصلاحها، وهذا ما ميز هؤلاء العلماء عن غيرهم، حتى صاروا أطباء للقلوب.

ومن أمثلة ذلك ما ذكروه في علاج الحسد: ما جاء في "مختصر منهاج القاصدين"،  لأبي العباس، أحمد بن عبد الرحمن بن قدامة المقدسي (المتوفى: 689هـ) – وهو غير موفق الدين ابن قدامة، صاحب المغني (ت: 620هـ) – وهو مأخوذ عن أصل الكتاب، الذي هو "منهاج القاصدين"، لابن الجوزي، الذي هذب فيه: "إحياء علوم الدين" لأبي حامد الغزالي؛ رحمة الله عليهم جميعا- قال: "واعلم: أن الحسد من الأمراض العظيمة للقلوب، ولا تداوى أمراض القلوب إلا بالعلم والعمل.

والعلم النافع لمرض الحسد: هو أن تعرف حقيقةَ أن الحسد ضرر عليك في الدين والدنيا، وأنه لا يضر المحسود في الدين ولا في الدنيا، بل ينتفع به، والنعمة لا تزول عن المحسود بحسدك.

ولو لم تكن تؤمن بالبعث، لكان مقتضى الفطنة، إن كنت عاقلاً أن تحذر من الحسد، لما فيه من ألم القلب، مع عدم النفع؛ فكيف وأنت تعلم ما فيه من العذاب في الآخرة.

وبيان قولنا: أن المحسود لا ضرر عليه في الدين ولا في الدنيا، بل ينتفع بحسدك في الدين والدنيا، لأن ما قدره الله من نعمة لا بد أن تدوم إلى أجله الذي قدره، ولا ضرر عليه في الآخرة، لأنه لا يأثم هو بذلك، بل ينتفع به، لأنه مظلوم من جهتك؛ لا سيما إذا أخرجت الحسد إلى القول والفعل.

وأما منفعته في الدنيا: فهو أن أهم أغراض الخلق غم الأعداء، ولا عذاب أعظم مما أنت فيه من الحسد!!

فإذا تأملت ما ذكرنا، علمت أنك عدو لنفسك، وهو صديق لعدوك، فما مثلك إلا كمثل من يرمى حجراً عدوه، ليصيب مقتله؛ فلا يصيبه، ويرجع الحجر على حدقته اليمنى فيقلعها، فيزيد غضبه، فيعود ويرميه بحجر أشد من الأول، فيرجع الحجر على عينه الأخرى فيعميها، فيزداد غيظه، فيرميه الثالثة، فيعود الحجر على رأسه فيشدخه، وعدوه سالم يضحكك منه.

فهذه الأدوية العلمية، فإذا تفكر الإنسان فيها، أخمدت نار الحسد في قلبه.

وأما العمل النافع فيه: فهو أن يتكلف نقيض ما يأمر به الحسد، فإذا بعثه على الحقد والقدح في المحسود، كلف نفسه المدح له، والثناء عليه، وإن حمله على الكبر، ألزم نفسه التواضع له، وإن بعثه على كف الإنعام عنه، ألزم نفسه زيادة في الإنعام.

وقد كان جماعة من السلف إذا بلغهم أن شخصاً اغتابهم، أهدوا إليه هدية.

فهذه أدوية نافعة للحسد جداً، إلا أنها مُرَّة!!

وربما يُسَهِّل شربها: أن يعلم أنه: إذا كان: لا يكون كل ما تريد؛ فأرِد ما يكون.

وهذا هو الدواء الكلى، والله أعلم" انتهى من مختصر منهاج القاصدين، ص 189

وننصح بالاستفادة من عيون هذه الكتب، من مثل: "الداء والدواء"، و"إغاثة اللهفان" لابن القيم، و"صيد الخاطر" لابن الجوزي، و"الأخلاق والسير" للإمام الكبير أبي محمد ابن حزم، رحمه الله، وهو كتاب نافع، ماتع. 

ونسأل الله أن يرزقنا قلبا سليما ولسانا صادقا.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب