الحمد لله.
أولا :
لا يجوز الحلف إلا بالله تعالى أو صفة من صفاته ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ رواه أبو داود (3251) والترمذي (1535) وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ "، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (8 / 189).
قال ابن القيم رحمه الله :
" – ومن الكبائر- الحلف بغير الله، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من حلف بغير الله، فقد أشرك )، وقد قصّر ما شاء أن يقصر من قال: إن ذلك مكروه، وصاحب الشرع يجعله شركا ؛ فرتبته فوق رتبة الكبائر" انتهى من "إعلام الموقعين" (6 / 571 - 572).
وهذا الحديث بعمومه يشمل المسلم والكافر ، لأن الكافر مخاطب بفروع الشريعة ، أي : بأحكامها . ومن أحكام الشريعة : أنه لا يجوز الحلف بغير الله .
قال ولي الدين العراقي رحمه الله :
" والمذهب الصحيح الذي عليه المحققون والأكثرون: أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة ، فيحرم عليهم الحرير، كما يحرم على المسلمين " انتهى ، " طرح التثريب " ( 3 / 227 ) .
وبناء على هذا ؛ فلا يجوز لأحد أن يطلب من أحد أن يحلف بغير الله ، حتى ولو كان الحالف غير مسلم . فلا يجوز أن يطلب منه أن يحلف بإلهه الذي يؤمن به ويعظمه .
وقد ذكر العلماء أن الكافر إذا توجهت عليه اليمين ، فإنه لا يحلف إلا بالله ، كاليهود والنصارى ، والمجوس ، بل وكذلك الملحدون الذين لا يؤمنون بوجود الله ، لا يطلب منهم الحلف إلا بالله .
قال خليل بن إسحاق المالكي رحمه الله في "مختصره" (ص 228) :
" وَالْيَمِينُ فِي كُلِّ حَقٍّ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إله إلا هو؛ وَلَوْ كِتَابِيًّا " انتهى .
قال الخرشي رحمه الله في شرحه (7/237) :
"الْمَشْهُورُ أَنَّ الْكِتَابِيَّ يَقُولُ فِي يَمِينِهِ هَذَا اللَّفْظَ، كَالْمُسْلِمِ ...
وَأَمَّا الْمَجُوسِيُّ: فَإِنَّهُ يَحْلِفُ فِي كُلِّ حَقٍّ بِاَللَّهِ، فَقَطْ" انتهى .
وقال ابن قدامة رحمه الله :
"فَإِنَّ الْيَمِينَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ جَمِيعًا بِاَللَّهِ تَعَالَى ، لَا يَحْلِفُ أَحَدٌ بِغَيْرِهِ ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ ، وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ كَانَ حَالِفًا ، فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ " انتهى، المغني (14/223) .
وقال الحصكفي الحنفي رحمه الله في "الدر المختار" (11/617) :
"والوثني : بالله تعالى [أي : ويحلف الوثني بالله تعالى] ، لأنه يقر به، وإن عبد غيره.
وجزم ابن الكمال بأن الدهرية لا يعتقدونه تعالى.
قلت: وعليه؛ فبماذا يحلفون؟" انتهى.
وهذا السؤال أجاب عليه علاء الدين في تكملة حاشية أبيه (ابن عابدين) فقال :
"قلت: يحلفون بالله تعالى؛ لما في معراج الدراية عن المبسوط: الحر والمملوك والرجل والمرأة والفاسق والصالح والكافر والمسلم في اليمين سواء؛ لأن المقصود هو القضاء بالنكول، وهؤلاء في اعتقاد الحرمة في اليمين الكاذبة سواء" انتهى، "تكملة حاشية ابن عابدين" (11/618) .
وقال القاضي شهاب الدين ابن أبي الدم الشافعي في كتابه (أدب القضاء 1 / 553 ، 554) "إن كان الحالف دهريا لا يعتقد خالقا ولا معبودا، أحلفه بالله الخالق الرازق.
فإن قيل: فهو لا ينزجر بها فما الفائدة؟
قلنا: فيه فائدتان:
إحداهما: إجراء حكمنا عليهم، قال الله: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ.
والثانية: أن يزداد بها إثما، ويدركه شؤمها، فربما يتعجل بها انتقاما" انتهى.
ثالثا :
إذا طلب المسلم من غير المسلم أن يحلف بإلهه ولم يقصد بذلك تعظيم ذلك الإله ، فقد ارتكب محرما ، ولكنه لا يكون كفرا أكبر .
لأن الحلف بغير الله كفر أصغر، وليس كفرا أكبر .
وقد يكون كفرا أكبر إذا قصد تعظيم ذلك المحلوف به مثل تعظيم الله أو أكثر .
والغالب أن المسلم الذي يفعل ذلك إما أن يكون جاهلا بتحريم ذلك ، وإما أن يكون متأولا ، يظن أن ذلك جائز في حق الكافر حتى لا يكذب .
وفي تلك الحالتين لا يكون المسلم عاصيا ، ولكنه بعد أن يعلم الحكم الشرعي يجب عليه الكف عن ذلك ، فلا يطلب اليمين إلا بالله .
وينظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم (308866) .
والله أعلم .
تعليق