الأحد 9 جمادى الأولى 1446 - 10 نوفمبر 2024
العربية

هل يذم شراء الملابس الجديدة قبل تلف القديمة؟

509698

تاريخ النشر : 10-09-2024

المشاهدات : 784

السؤال

ماذا يعني الحديث التالي: هل يحرُم على المسلمين شراء الملابس قبل أن يرتدوا ملابس رثة؟ وهل فعل النبي ذلك أيضا؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

الأصل في اللباس الإباحة فلا يحرم شيء منه إلا بدليل.

قال الله تعالى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ الأعراف/32.

وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: كُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ رواه النسائي (2559)، وابن ماجه (3605)، والبخاري تعليقا بصيغة الجزم قبل الحديث رقم (5783).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

” تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان: عبادات يصلح بها دينهم، وعادات يحتاجون إليها في دنياهم: فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع. وأما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه، والأصل فيه عدم الحظر، فلا يحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى …

والعادات الأصل فيها العفو، فلا يحظر منها إلا ما حرمه، وإلا دخلنا في معنى قوله: ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا ) ولهذا ذم الله المشركين الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله، وحرموا ما لم يحرمه … وهذه قاعدة عظيمة نافعة ” انتهى . ” مجموع الفتاوى ” (29 / 16 – 18).

ثانيا:

لم يرد في الشرع ما يحرّم لبس الثوب الجديد قبل فناء الثوب القديم.

وللفائدة تحسن مطالعة جواب السؤال رقم: (97019).

وأما ما رواه البخاري في “الأدب المفرد” (471): حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ حَفْصٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: “دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها، فَقَالَتْ: أَمْسِكْ حَتَّى أَخِيطَ نَقْبَتِي فَأَمْسَكْتُ فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ خَرَجْتُ فَأَخْبَرْتُهُمْ لَعَدُّوهُ مِنْكِ بُخْلًا، قَالَتْ: أَبْصِرْ شَأْنَكَ، إِنَّهُ لَا جَدِيدَ لِمَنْ لَا يَلْبَسُ الْخَلَقَ”.

فهذا إسناد رواته ثقات عدا كثير بن عبيد التيمي مولى أبي بكر رضي الله عنه، وهو رضيع عائشة رضي الله عنها، فقد روى عنه جمع، ولم يرد فيه تضعيف.

قال الذهبي رحمه الله تعالى:

كثير بن عبيد، عن: عائشة، وجماعة. وعنه: ابن عون، وجماعة، وثِّق ” انتهى. “الكاشف” (2 / 146):

فحديث مثل هذا خاصة في باب الآداب وإذا لم يأت بما يستنكر، قد يحسّن، ولذا حسّن إسناده الشيخ الألباني في “صحيح الأدب المفرد” (ص 179)، والشيخ عبد الله السعد، حفظه الله في كلامه على “الأدب المفرد”، وقوى حال كثير.

وقد رواه ابن سعد في “الطبقات” (10 / 72)، وابن أبي الدنيا في “التواضع والخمول” (ص 177 — 178)، وفي “إصلاح المال” (ص112) عَنْ شُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيعِ عَائِشَةَ، قَالَ: “دَخَلْتُ عَلَيْهَا فَرَأَيْتُهَا تَخِيطُ نُقْبَةً لَهَا فَقُلْتُ لَهَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَلَيْسَ قَدْ أَوْسَعَ اللَّهُ عز وجل عَلَيْكِ؟ قَالَتْ: لَا جَدِيدَ لِمَنْ لَا يَلْبَسُ الْخَلَقَ”.

والنقبة: نوع من السراويل.

وقول عائشة رضي الله عنها، معناه: أن من لم يترفق في استعمال ثيابه، لا يبقى له جديد أبدا؛ فسرعان ما يفسده ويهلكه، أو لا يبقى له من المال ما يشتري به جديدا، كلما أخلق ما عنده.

ولذا بوّب عليه البخاري في “الأدب المفرد” بقوله: ” بَابُ الرِّفْقِ فِي الْمَعِيشَةِ “.

أي أن على الإنسان أن يستفيد من قديم ثيابه في ما يليق به كأن يلبسه حال تواجده في البيت أو أثناء عمله الذي لا يناسبه الثوب الجديد، فبهذا يحفظ الثوب الجديد ولا يسرع إليه الفناء والقدم.

قال ابن رشد رحمه الله تعالى:

” قال مالك: بلغني أن عبد العزيز كتب إلى ابنه عمر بن عبد العزيز وهو بالمدينة: ” إنّه لا دين لمن لا نية له، ولا جديد لِمَن لا خِلقَ له، ولا مال لمن لا رفق له “، وكأنه بلغه عنه إسراف في الكسوة. فلقد رؤي بعد كتاب أبيه إليه، وإِن ثوبه لمرقوع.

قال محمد بن رشد: … وقوله: ” لا جديد لمن لا يلبس الخلق “، حكمة صحيحة منه، لأنه إِن لم يصن ثوبه الجديد بالخلق، خلق الجديد بسرعة، فلم يكن له جديد ” انتهى. “البيان والتحصيل” (17 / 246).

وقال الميداني رحمه الله تعالى:

” لَا جَدِيدَ لِمَنْ لا خَلَق لَهُ.

يضرب [أي المثل] لمن يمتهن جديده فيؤمر بالتوقّي عليه بالخَلَق ” انتهى. “مجمع الأمثال” (2 / 231).

ومما يستأنس به لهذا الفهم ما رواه البيهقي في “شعب الإيمان” (8 / 252): عن العمري، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك: “أَنَّ امْرَأةً أَتَتْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمؤْمِنينَ إِنَّ دِرْعِى تَخَرَّقَ، قَالَ: لَمْ أكْسُكِ؟ قَالَتْ: بَلَى، وَلَكِنَّهُ تَخَرَّقَ؛ فَدَعَا لَهَا بدرْعٍ فَجِيب وَخيط، وقَالَ لَهَا: الْبَسِي هَذَا – يَعْنِى الْخلقَ – إِذَا اختبزت وَإِذَا جَعَلْتِ الْبُرْمَةَ، وَالْبِسِى هَذَا إِذَا فَرَغْتِ، فَإِنَّهُ لَا جَديدَ لِمَنْ لم يَلْبَس الْخَلقَ”.

والخلاصة:

لا يحرم على الإنسان لبس ثوب جديد قبل أن يلبس القديم.

لكن من أدب الاقتصاد في المال، أنه يستحسن للإنسان عدم لبس الجديد في الأحوال والأماكن التي يلائمها قديم الثياب، فبهذا التصرف يحفظ ثيابه الجديدة ويطيل عمر استعمالها.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب