الحمد لله.
جعل الشرع الولاية ليحفظ الولي مصالح مَوْلِيَّته التي قد تتضرر بفواتها بحكم وضعها الاجتماعي ونحوه. فينبغي عليك أن تفهمي تخوف والدك، وليس بالضرورة أن يكون تخوفه في محله، ولكن محبته لكِ وخوفه عليك هو الدافع لذلك، وهو يرى هذا من النصح لكِ، وقد يدخل تخوفه في باب تخوف سوء خلقه إذا ما قاسه بأخيه، حيث إنّ طباع الأسرة الواحدة كثيرا ما تتشابه.
وقد جاء في الشرع اعتبار أمور في قبول الخاطب غير الخلق والدين:
فقد رفض النبي صلى الله عليه وسلم خطبة أبي وعمر مع أنهما خير الأمة بعد نبيها، وعلل ذلك بفارق السن، ولما خطبها علي وهو مناسب لسنها قبله.
فعن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: “خَطَبَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَاطِمَةَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهَا صَغِيرَةٌ، فَخَطَبَهَا عَلِيٌّ ، فَزَوَّجَهَا مِنْهُ” رواه النسائي (3221) وصححه الألباني.
وكثيرا ما تتحمس الفتاة لقبول الخاطب الذي ينصح الوالدان بتركه، ثم لا تلبث يسيرا بعد الزواج حتى تبدأ بالتشكي والتذمر.
والنبي صلى الله عليه وسلم، نصح فاطمة بنت قيس بعدم الزواج من معاوية وعلل ذلك بأنه فقير لا مال، ومن أبي الجهم لأنه يضرب النساء.
فعن فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ ، قالت : ” إِنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ، فَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُكْنَى ، وَلَا نَفَقَةً ، قَالَتْ : قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي، فَآذَنْتُهُ ، فَخَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ ، وَأَبُو جَهْم ٍ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْد ٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَرَجُلٌ تَرِبٌ ، لَا مَالَ لَهُ ، وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَرَجُلٌ ضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ ، وَلَكِنْ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ…، قَالَتْ: فَتَزَوَّجْتُهُ ، فَاغْتَبَطْتُ” رواه مسلم (1480).
وهذه أمور معتبرة شرعا وعرفاً، إضافة إلى الأصل الأصيل في قبول الخاطب والركيزة الأساسية أن يكون على خلق ودين، لقوله صلى الله عليه وسلم:
إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ رواه الترمذي (1084) وحسنه الألباني.
قال القاري رحمه الله :(مَنْ تَرْضَوْنَ) أَيْ: تَسْتَحْسِنُونَ (دِينَهُ) أَيْ: دِيَانَتُهُ (وَخُلُقَهُ) أَيْ: مُعَاشَرَتُهُ” انتهى من “مرقاة المفاتيح” (5/ 2047):
وقال السندي رحمه الله: “قَوْلُهُ (إِذَا أَتَاكُمْ) أَيْ خَطَبَ إِلَيْكُمْ بِنْتَكُمْ (مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ) وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَدَارُ حُسْنِ الْمَعَاشِ كَمَا أَنَّ الدِّينَ مَدَارُ أَدَاءِ الْحُقُوقِ” انتهى من “حاشية السندي على سنن ابن ماجه” (1/ 607).
وقال المباركفوري رحمه الله: “(من ترضون) أي تستحسنون (دينه) أي ديانته (وخلقه) أي معاشرته” انتهى من “تحفة الأحوذي” (4/ 173).
ثانياً:
وأما النصيحة لوالدك: فهي أن يجعل أمر النبي صلى الله عليه وسلم مقدما على أي اعتبار، فما دام أن هذا الشاب مرضي في دينه وخلقه، فلا ينبغي له أن يمنع ابنته من الزواج منه، فإنه لا يدري؛ قد لا يأتي خاطب آخر، وقد يذهب قطار الزواج على ابنته، فيندم بعدها، ولات ساعة مندم!!
وأما تخوفه من وجود أخ للخاطب يضرب زوجته، فيقال فيه: إن هذا التخوف لا يهدر بإطلاق، ولا ينبغي أن يكون فاصلا في القبول أو الرد، أيضا بإطلاق؛ فكما أنه قد تتشابه أخلاق إخوة تربوا في بيت واحد ومحضن واحد، فإنها أيضاً في حالات كثير تختلف أخلاقهم اختلافًا كثيرا، فتجد أحدهم قاسياً والآخر رحيما والثالث كريما والرابع بخيلا. وهذا معروف ومشاهد ولا ينكره أحد.
وحينئذ، يكون دوره في التحقق من أخلاق هذا الخاطب نفسه، لا أخلاق أخيه، فإن كان في عامة أمره مشابها أخاه، يسير في أخلاقه وأمور عيشه، كحال أخيه: فهنا يكون تخوفه في موضعه، ويكون ذلك سببا وجيها في رد خطبته.
وإن كان يختلف في أخلاقه، وسيرة حياته، وعامة أمره عن أخيه، وحاله وسيرته؛ فلا معنى لرد خطبته، لأجل حال أخيه.
نسأل الله أن يرزقك الزوج الصالح، وأن يلهمك رشدك، ويعيذك من شر نفسك.
والله أعلم.
تعليق