الحمد لله.
أولا:
من حلف على شخص ممن يمتنع بيمين الحالف، كزوجة وولد وأخ وصديق ونحوهم؛ فهي يمين منعقدة تقع تبعاتها على الحالف.
فإذا خالفه المحلوف عليه، فعلى الحالف الكفارة.
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:" فإن قال: والله ليفعلن فلان كذا، أو لا يفعل. أو حلف على حاضر، فقال: والله لتفعلن كذا، فأحنثه، ولم يفعل: فالكفارة على الحالف.
كذا قال ابن عمر، وأهل المدينة، وعطاء، وقتادة، والأوزاعي، وأهل العراق، والشافعي؛ لأن الحالف هو الحانث، فكانت الكفارة عليه، كما لو كان هو الفاعل لما يُحْنِثُه. ولأن سبب الكفارة: إما اليمين، وإما الحنث، أو هما؛ وأي ذلك قُدِّر، فهو موجود في الحالف " انتهى من "المغني" (13/502).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "والإقسام به على الغير: أن يحلف المقسِم على غيره ليفعلن كذا، فإن حنَّثه، ولم يبر قسمه: فالكفارة على الحالف، لا على المحلوف عليه عند عامة الفقهاء، كما لو حلف على عبده أو ولده أو صديقه ليفعلن شيئا، ولم يفعله؛ فالكفارة على الحالف الحانث " انتهى من "مجموع الفتاوى" (1/206).
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "إذا حلفت على أولادك، أو غيرهم، حلفاً مقصوداً أن يفعلوا شيئاً، أو ألا يفعلوه، فخالفوك: فعليك كفارة يمين" انتهى من "فتاوى إسلامية" (3/657).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (318312)، ورقم: (501999).
ثانياً:
بناء على ما سبق فإنه إذا خالف المحلوف عليه الأمر، فقد تعلقت الكفارة بالحالف، واستقرت عليه.
وحتى يؤدي ما عليه ويخرج من عهدة يمينه، فيلزم إخباره بأن عليه كفارة، لأجل مخالفة المحلوف عليه يمين الحالف.
فأداء كفارة اليمين عند الحِنث: من حفظ اليمين الذي أمر الله به، كما قاله جمع من أهل العلم.
قال القرطبي رحمه الله:
"قوله تعالى: (واحفظوا أيمانكم) أي بالبدار إلى ما لزمكم من الكفارة إذا حنثتم" انتهى من "تفسير القرطبي" (6/ 285).
وقال الجصاص: "وقال آخرون: معناه راعوها، لكي تؤدوا الكفارة عند الحنث فيها، لأن حفظ الشيء هو مراعاته. وهذا هو الصحيح" انتهى من "أحكام القرآن" (2/ 571).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:"
"قوله: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ احفظوا أيمانكم لها ثلاثة معان:
المعنى الأول: احفظوها من الحنث، أي: حافظوا على أن لا تحنثوا.
المعنى الثاني: أي: لا تكثروا الحلف، فلا تجعلوها رخيصة، كل شيء تحلفوا عليه، فلا تحلفوا على شيء إلا إذا دعت الحاجة أو الضرورة لذلك.
المعنى الثالث: احفظوها بأن لا تَدَعُوا الكفارة.
وهذه المعاني الثلاثة صحيحة، ولا يناقض بعضها بعضًا، وتكون الآية شاملة لها" انتهى من "تفسير العثيمين: المائدة" (2/ 312).
ومن ترك واجباً عليه، ناسياً له: وجب تذكيره.
وقد سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
هل الأفضل إذا رأيت صائماً يريد أن يأكل أو يشرب وهو ناسٍ أن أذكره أو أتركه؛ لأن الله هو الذي يطعمه ويسقيه؟
فأجاب:
إذا رأيت صائماً يأكل أو يشرب ناسياً، فذكره؛ قل: إنك صائم، وإذا رأيت شخصاً قائماً إلى خامسة في الظهر فنبهه، وإذا رأيت مصلياً يصلي لغير القبلة فوجهه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم أخو المسلم)، وقال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)، وقال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]، فإذا رأينا أي شخص يفعل ما تفسد به عبادته، وجب علينا أن نذكره، حتى لو كانت اللقمة في فمه، نذكره ليلفظها" انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (18/ 25 بترقيم الشاملة).
ثالثاً:
وإذا كفّر الحالف عن يمينه: انحلت تلك اليمين، ولو تكرر الفعل من المحلوف عليه، كما لو حلف على نفسه.
قال الحطاب المالكي رحمه الله: " من حلف أن لا يفعل فعلا، ففعله؛ فإنما يحنث بفعله مرة واحدة، ثم لا كفارة عليه فيما بعد ذلك" انتهى "مواهب الجليل" (3/ 277).
وينظر: "الفروق" للقرافي (3/78).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إذا حلف الإنسان على ألا يفعل شيئاً، ثم فعله، فعليه كفارة، وإذا حنث انحلت اليمين كأنه لم يحلف" انتهى. لقاء الباب المفتوح (212/ 8 بترقيم الشاملة آليا)؟
رابعاً:
الظاهر من السؤال أن مراد الحالف إكرام المحلوف عليه -ممن يمتنع بيمينه- بأن يأكل الطعام، ونحو ذلك من مظاهر الإكرام المعروفة بالفعل أو الترك.
فإذا كان الأمر كذلك فقد ذهب جمع من أهل العلم إلى أنّ هذه اليمين لا كفارة فيها
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه إذا قصد الإكرام: فإنه لا يحنث بالمخالفة، بناء على أن الحنث في اليمين مبني على الحنث في الحكم، وإذا قصد الإكرام وحصلت المخالفة، فإن المخالف لا يعد عاصيا؛ لأنه لم يقصد إلزامه، بل قصد إكرامه واحترامه، وهذا حصل بمجرد الحلف؛ لأن حلفه أن لا يحمل إكرام له، وقد حصل وظهر، ولأن أصل الحنث مبني على المخالفة في الحكم، فكما لا يكون عاصيا من خالف في باب الإكرام، لا يكون حانثا من خالف في الإكرام في اليمين، واستدل لذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ حين جاء وهو يصلي بالناس، وأراد أن يتأخر، فأمره أن يبقى، ولكنه تأخر، فهل كان أبو بكر عاصيا في هذه الحال؟ لا، فهو لا يريد أن يعصي الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ بل يريد أن يعظم النبي صلى الله عليه وسلم" انتهى من "الشرح الممتع على زاد المستقنع" (15/ 204).
واختار هذا القول الشيخ عبد الكريم الخضير حفظه الله.
وعلى هذا القول؛ فإنه ليس على الحالف على غيره كفارة إذا حلف على من يمتنع بيمينه بغرض الإكرام، وخالف يمينه.
والله أعلم.
تعليق