الحمد لله.
أولا :
جاءت الأدلة الشرعية بالأمر بإنظار المدين المعسر ، والترغيب في ذلك ، وأن الدائن له بمثل دينه صدقة كل يوم حتى يحل الأجل ، فإذا أنظره بعد الأجل فله مثلاه صدقة .
وينظر جواب السؤال رقم (192301) .
ثانيا :
لا يعني ما سبق أن تأجيل الدين أفضل من إسقاطه ، بل إسقاط الدين كله أو بعضه أفضل من الإنظار .
لأن الإسقاط في الحقيقة هو إنظار وزيادة .
وعلى هذا دلت الآية الكريمة ، وهي قوله تعالى : (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة/280 .
قال القرطبي رحمه الله (3/374) :
"ندب الله تعالى بهذه الألفاظ إلى الصدقة على المعسر ، وجعل ذلك خيرا من إنظاره، قاله السدى وابن زيد والضحاك" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين في تفسير سورة البقرة :
"ومن فوائد الآية: فضيلة الإبراء من الدَّين، وأنه صدقة؛ لقوله تعالى: وأن تصدقوا خير لكم ؛ والإبراء سنة؛ والإنظار واجب؛ وهنا السنة أفضل من الواجب بنص القرآن؛ لقوله تعالى: وأن تصدقوا خير لكم ؛ ووجه ذلك أن الواجب ينتظم في السنة؛ لأن إبراء المعسر من الدَّين إنظار، وزيادة؛ وعلى هذا فيبطل إلغاز من ألغز بهذه المسألة، وقال: لنا سنة أفضل من الواجب، فيقال له: هذا إلغاز باطل؛ لأن هذه السنة مشتملة على الواجب؛ فهي واجب، وزيادة؛ وصدق الله، حيث قال في الحديث القدسي: ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضت عليه" انتهى .
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية المذكورة :
"يأمر تعالى بالصبر على المعسر الذي لا يجد وفاء، فقال: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَة ...
ثم يندب إلى الوضع عنه، ويعد على ذلك الخير والثواب الجزيل، فقال: وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أي: وأن تتركوا رأس المال بالكلية وتضعوه عن المدين. وقد وردت الأحاديث من طرق متعددة عن النبي صلى الله عليه وسلم، بذلك" انتهى .
وعلى هذا ؛ فالأفضل إسقاط الدين كله أو بعضه عن المدين .
ثالثا :
أما الدين الذي لم يحدد له أجل فالأصل أنه حالٌّ ، أي : للدائن أن يطالب به فورا .
قال الإمام أحمد رحمه الله : "كل قرض فهو حالٌّ" انتهى . يعني : أن هذا هو الأصل ، ما لم يتم الاتفاق على تأجيله . وينظر الشرح الممتع (9/101) .
فالذي يظهر –والله أعلم- أن كل يوم يمر على الدائن فله مثل دينه صدقة ، ويكون هذا شبيها بالدين الذي حل أجله .
وهذا الدين ينطبق عليه أيضا أن إبراء المدين من الدين كله أو بعضه أفضل من إنظاره ، وفي كلٍّ خير .
والله أعلم .
تعليق