الحمد لله.
المكي تلزمه الجمعة إذا كان ذكرا بالغا صحيحا، فتلزمه بنفسه.
والمسافر الذي نوى الإقامة بمكة أكثر من أربعة أيام، تلزمه الجمعة بغيره، أي إن أقامها العدد المعتبر من أهل مكة لزمه أن يصليها معهم.
وكل واحد منهما إن خرج إلى منى قبل الزوال، فلا حرج عليه، ويصلي بمنى ظهرا، وهذا هو الأفضل الموافق للسنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه خرجوا إلى منى قبل الزوال، فصلوا الظهر بها.
وإن شاء بقي في مكة حتى يصلي الجمعة، ثم خرج إلى منى.
وإن زالت الشمس وهو مكة، لزمته الجمعة، وحرم عليه تركها.
قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (2/ 491): " (ولو صادف يوم جمعة وهو مقيم بمكة، ممن تجب عليه، وزالت الشمس) وهو بمكة: (فلا يخرج قبل صلاتها)، أي: الجمعة؛ لوجوبها بالزوال.
(وقبل الزوال إن شاء خرج) إلى منى، (وإن شاء أقام) بمكة (حتى يصليها) أي: الجمعة" انتهى.
وقال النووي رحمه الله: " فإن كان اليوم الثامن يوم الجمعة خرجوا قبل طلوع الفجر؛ لأن السفر يوم الجمعة إلى حيث لا يصلي الجمعة: حرام، أو مكروه، وهم لا يصلون الجمعة بمنى ولا بعرفات؛ لأن شرطها دار الإقامة" انتهى من "الإيضاح في مناسك الحج والعمرة" ص 266
والسفر يوم الجمعة قبل الزوال محل خلاف، وهو مكروه أو محرم، كما قال النووي رحمه الله.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (25/ 39):
"اتفق الفقهاء على حرمة السفر في يوم الجمعة، بعد الزوال، لمن تلزمه الجمعة؛ لأن وجوبها تعلق به بمجرد دخول الوقت، فلا يجوز له تفويته.
والحكم عند الحنفية الكراهة التحريمية، وحددوا ذلك بالنداء الأول.
واستثنوا من ذلك: ما إذا تمكن المسافر من أداء الجمعة في طريقه أو مقصده، فلا يحرم حينئذ لحصول المقصود بذلك.
كما استثنى المالكية والشافعية والحنابلة التضرر من فوت الرفقة، فلا يحرم؛ دفعا للضرر عنه.
وأما السفر قبل الزوال، فهو محل خلاف بين الفقهاء:
فذهب المالكية والحنابلة إلى كراهة السفر قبل الزوال؛ لحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سافر من دار إقامة يوم الجمعة، دعت عليه الملائكة أن لا يُصحب في سفره، ولا يُعان في حاجته) .
قال المالكية: بعد فجر يومها على المشهور، خلافا لما رواه علي بن زياد وابن وهب عن مالك بإباحته.
وقال الحنابلة: بعد طلوع الفجر قبل الزوال، إلا إذا أتى بها في طريقه، فلا يكره.
وذهب الحنفية إلى جواز السفر قبل الزوال، بلا خلاف عندهم، وكذا بعد الفراغ منها وإن لم يدركها.
وذهب الشافعية إلى تحريم السفر قبل الزوال أيضا - وأوله الفجر - لوجوب السعي على بعيد المنزل قبله، والجمعة مضافة إلى اليوم.
فإن أمكنه الجمعة في طريقه، أو تضرر بتخلفه: جاز، وإلا فلا.
ولا فرق في ذلك بين أن يكون السفر مباحا، أو طاعة، في الأصح.
كما يكره عند الشافعية السفر ليلة الجمعة" انتهى.
وحديث ابن عمر أورده في "كنز العمال" (6 / 715 ) وعزاه لابن النجار، وذكره الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (2/ 162) بلفظ، مقارب، وعزاه إلى الدارقطني في الأفراد، وقال: "وفيه ابن لهيعة" انتهى.
والأظهر هو كراهة السفر قبل الزوال، والكراهة تزول للحاجة، ومن الحاجة المعتبرة: موافقة السنة في الخروج إلى منى يوم التروية.
وعليه؛ فالأفضل للمكي إذا وافق يوم التروية الجمعة، أن يخرج إلى منى ضحى، قبل الزوال، فيصلي بها الظهر؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
روى مسلم (1218) من حديث جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم قال: " فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى، فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ، وَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ".
وروى البخاري (1763)، ومسلم (1309) عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، قَالَ: "سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ شَيْءٍ عَقَلْتَهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " أَيْنَ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؟ قَالَ: بِمِنًى".
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ينبغي أن تكون صلاة الظهر يوم التروية في منى، هذا هو الأفضل.
ويتفرع على ذلك ثلاث فوائد:
أنه يتبين حرمان قوم من الناس يريدون الحج ويبقون في أماكنهم، فإذا كان بعد العصر أحرموا بالحج، وخرجوا إلى منى. نقول: هذا، وإن كان جائزاً، لكن الإنسان حرم نفسه، لأن بقاءه في منى في ذلك اليوم أفضل من بقائه في المسجد الحرام وغيره.
ولهذا لما كان يوم التروية هذا العام يوم الجمعة، صار كثير من الحجاج يتساءلون هل الأفضل أن نصلي الجمعة في المسجد الحرام، ثم نخرج إلى منى، أو الأفضل أن نخرج إلى منى في الصباح في الضحى، ونصلي الظهر في منى؟
والجواب: الثاني أفضل؛ لأن بقاءك في منى عبادة، وأنت ما جئت من بلادك إلا لأجل هذه العبادة" انتهى من "مجموع الفتاوى" (24/524).
والله أعلم.
تعليق