الحمد لله.
أولاً:
نية الصلاة عند دخولك فيها تكفي عن نية بقية الأركان من قيام وركوع وسجود وقعود وتشهد.
فلا تشترط نية خاصة للتشهد، ولسائر أفعال الصلاة، فإذا دخلت في الصلاة بنية كفاك ذلك عن تجديد النية لأفعال الصلاة من ركوع وسجود وقعود وتشهد؛ لأنّ الصلاة عبادة واحدة، فتكفيها نية واحدة، حتى لو ذهلت عن النية لم تنقطع حكمًا، لوجود النية الحكمية: وهو استصحاب حكم النية ما دام لم يقطعها. انظر: "الجامع في أحكام صفة الصلاة" للدبيان" (3/ 500).
قال السيوطي رحمه الله:
«العبادات ذات الأفعال: يكتفى بالنية في أولها، ولا يحتاج إليها في كل فعل، اكتفاء بانسحابها عليها كالوضوء والصلاة، وكذا الحج، فلا يحتاج إلى إفراد الطواف والسعي والوقوف بنية على الأصح" انتهى من "الأشباه والنظائر" (ص27).
وقال الأمين الشنقيطي رحمه الله:
"نية العبادة تشمل جميع أجزائها، فكما لا يحتاج كل ركوع وسجود من الصلاة إلى نية خاصة لشمول نية الصلاة لجميع ذلك، فكذلك لا تحتاج أفعال الحج لنية تخص كل واحد منها، لشمول نية الحج لجميعها" انتهى من "أضواء البيان" (5/ 243).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (227879).
ثانياً:
أما قولنا في التشهد "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين" فهذا لا يحتاج لنية لتحديد ما نريد من. وإن كان ينبغي أن نستحضر معنى هذا القول، وهو الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم ولأنفسنا.
وهذا ليس نية، وإنما هو مجرد استحضار للمعنى المراد من ألفاظ الصلاة، وهو أمر عام في الصلاة كلها: أن يستحضر معاني ما يقول فيها، وهو من أسباب الخشوع في الصلاة.
ومعنى قولنا في التشهد: "السلام عليك أيها النبي .... "
فهو سلام على النبي بقولنا (السلام عليك أيها النبي)، وسلام على أنفسنا وعلى جميع عباد الله الصالحين بقولنا (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين).
ومعنى السلام على النبي: أننا ندعو للنبي صلى الله عليه وسلم بسلامة دينه صلى الله عليه وسلم، وسلامة بدنه في قبره، وسلامته يوم القيامة.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
قوله: "السلام عليك..": " السَّلام "قيل: إنَّ المراد بالسَّلامِ: اسمُ الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ اللَّهَ هو السَّلامُ" كما قال الله تعالى في كتابه: (الملك القدوس السلام...)،
وبناءً على هذا القول: فمعنى السلام على الرسول أي: بالحِفظ والكَلاءة والعناية وغير ذلك، فكأننا نقول: اللَّهُ عليك، أي: رقيب حافظ مُعْتَنٍ بك، وما أشبه ذلك.
وقيل: السلام: اسم مصدر سَلَّمَ بمعنى التَّسليم، كما قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) الأحزاب/56.
فمعنى التسليم على الرسول صلى الله عليه وسلم: أننا ندعوا له بالسَّلامة مِن كُلِّ آفة.
إذا قال قائل: قد يكون هذا الدُّعاء في حياته عليه الصلاة والسلام واضحاً، لكن بعد مماته كيف ندعو له بالسَّلامةِ وقد مات صلى الله عليه وسلم؟
فالجواب: ليس الدُّعاءُ بالسَّلامة مقصوراً في حال الحياة، فهناك أهوال يوم القيامة، ولهذا كان دعاء الرُّسل إذا عَبَرَ النَّاسُ على الصِّراط: " اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ "، فلا ينتهي المرءُ مِن المخاوف والآفات بمجرد موته.
وقد يكون بمعنى أعم، أي: أنَّ السَّلامَ عليه يشمَلُ السَّلامَ على شرعِه وسُنَّتِه ِ، وسلامتها من أن تنالها أيدي العابثين؛ كما قال العلماءُ في قوله تعالى: (فردوه إلى الله والرسول) النساء/59، قالوا: إليه في حياته، وإلى سُنَّتِهِ بعد وفاته.
وأما السلام على أنفسنا وعلى عباد الله الصالحين، فهو دعاء لنا ولهم بالسلام من جميع آفات الدنيا والدين.
والمراد بـ "وعلى عباد الله الصالحين": كل عبد صالح في السماء والأرض؛ حي أو ميت من الآدميين والملائكة والجن. انظر: "الشرح الممتع" (3/154،149).
ثالثاً:
سلامنا على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاتنا وخارج صلاتنا يبلغه، فقد صح ذلك عنه صلى الله عليه وسلم.
فعن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الْأَرْضِ يُبَلِّغُونِي مِنْ أُمَّتِي السَّلَامَ) النسائي (1282)، وصححه الألباني
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ) رواه أبو داود (2041)، وجوّد إسناده العراقي في "تخريج الإحياء" (2 / 764)، وحسنه الشيخ الألباني في "صحيح أبي داود (1779).
والله أعلم.
تعليق