الحمد لله.
أولا:
هذا الحديث رواه الترمذي (3599)، وابن ماجه (251)، (3804)، (3833)، وابن أبي شيبة في “المصنف” (16 / 200)، وغيرهم: عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ انْفَعْنِي بِمَا عَلَّمْتَنِي وَعَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي وَزِدْنِي عِلْمًا، الْحَمْدُ لِلهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَأَعُوذُ بِاللهِ مِنْ حَالِ أَهْلِ النَّارِ .
وقال الترمذي: ” هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ “.
فمدار هذا الإسناد على مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ.
وموسى بن عبيدة: أئمة الحديث على أنه ضعيف الحديث.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
” موسى بن عبيدة الربذي مشهور: ضعفوه، وقال أحمد: لا يحل الرواية عنه ” انتهى. “المغني” (2/685).
ومحمد بن ثابت لا يعلم من هو، وقد حكم بجهالته عدد من أهل العلم.
قال البوصيري رحمه الله تعالى:
” هذا إسناد ضعيف لضعف موسى بن عبيدة، وشيخه محمد بن ثابت مجهول ” انتهى. “مصباح الزجاجة” (ص489).
فالحاصل: أن الحديث – بهذا السياق -: إسناده ضعيف.
وينظر للفائدة: “التبيان في تخريج أحاديث بلوغ المرام”، لخالد بن ضيف الله الشلاحي (11/399-400).
ثانيا:
المعنى الذي دل عليه هذا الحديث: صحيح، وكل عبارة من عباراته، ورد معناها في أحاديث مختلفة.
فالدعاء بالعلم النافع، قد ورد كما في حديث زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: لَا أَقُولُ لَكُمْ إِلَّا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: كَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ، وَالْبُخْلِ، وَالْهَرَمِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا رواه مسلم (2722).
وروى ابن ماجه (3843) عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: سَلُوا اللَّهَ عِلْمًا نَافِعًا، وَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ.
وطلب الزيادة من العلم النافع، ورد في قوله تعالى:
وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا طه/114.
والحمد الله على كل حال، قد صح فيما رواه الإمام أحمد في “المسند” (10 / 190)، وأبو داود (5058)، وابن حبان “الإحسان” (12 / 349): عن ابْن عُمَرَ: ” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانِي وَآوَانِي، وَأَطْعَمَنِي وَسَقَانِي، وَالَّذِي مَنَّ عَلَيَّ فَأَفْضَلَ، وَالَّذِي أَعْطَانِي فَأَجْزَلَ، الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، اللَّهُمَّ رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ وَإِلَهَ كُلِّ شَيْءٍ، أَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ .
والتعوذ من حال أهل النار: أي من حالهم في الدنيا والآخرة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
” وأعوذ بالله من حال أهل النار أي: حالهم في الدنيا والآخرة، حالهم في الدنيا: الضلال والغي والفساد، حالهم في الآخرة: النار والعذاب: فأنت تستعيذ بالله من حال أهل النار في الدنيا والآخرة ” انتهى. “فتح ذي الجلال والإكرام” (6 / 516).
والتعوذ من حال أهل النار أشهر من أن تساق له الشواهد، والمسلم يدعو بمعنى هذا في كل ركعة من صلاته، حين يطلب من الله تعالى الهداية إلى الصراط المستقيم، وأن يجنب سبل المغضوب عليهم والضالين.
والله أعلم.
تعليق