الحمد لله.
أولا:
إذا كانت مدة الإجارة باقية، فللمستأجر أن يتنازل لغيره عن محل العقد مقابل مال، وهو ما يسمى ببدل الخلو.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن بدل الخلو:
"رابعاً: إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأول وبين المستأجر الجديد، في أثناء مدة الإجارة، على التنازل عن بقية مدة العقد، لقاء مبلغ زائد عن الأجرة الدورية، فإن بدل الخلو هذا جائز شرعاً، مع مراعاة مقتضى عقد الإجارة المبرم بين المالك والمستأجر الأول، ومراعاة ما تقضي به القوانين النافذة الموافقة للأحكام الشرعية" انتهى نقلا عن مجلة المجمع (العدد 4، ج 3 ص 2171).
وعليه؛ فقد أخطأ (زيد) في طلب الفسخ من المستأجر الأول، وكان الصواب أن تبقى الإجارة كما هي، ويتنازل له المستأجر عن بقية المدة.
ثم قد لا يرضى المالك بتأجيره مدة جديدة، ولهذا كان ينبغي أن يتم هذا التنازل بعد تجديد عقد المستأجر الأول.
ثانيا:
ما حصل هنا كان بخطأ من (زيد) حيث طلب الفسخ، كما تقدم، فترتب عليه أن لا حق للمستأجر الأول في العقار، وصار الخيار للمالك، وقد أبى أن يؤجر زيدا، ففات عليه غرضه، وضاع ماله.
والذي يظهر أن المستأجر الأول إذا لم يكن راغبا في تجديد العقد، وكان قد دفع إيجار المدة كاملة، فيتم الصلح بينه وبين المستأجر الجديد (زيد) على أن يأخذ أجرة ثلاثة أشهر، ويرد باقي المبلغ؛ لأن زيدا قد فوّت عليه الانتفاع بالعقار هذه المدة وهي ثلاثة أشهر، فيأخذ منه أجرتها، وأما الباقي فيرده، منعا للضرر عن أخيه، ولأنه كان سيترك المحل بنفسه عند انتهاء العقد، فلم يضع عليه شيء.
وأما إن كان المستأجر الأول راغبا في تجديد العقد، وله مصلحة فيه: فإنه يستحق المال كاملا؛ لأن طلب الفسخ جاء من (زيد)، وقد فوّت عليه البقاء في المحل، وضاعت عليه مصلحته. والأصل أن (المسلمون على شروطهم)، وأن "مقاطع الحقوق عند الشروط"، وقد فعل المستأجر ما طلب منه، فاستحق المال المتفق عليه.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِم) رواه أبو داود (3594)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
وروى البيهقي (14826) عن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " إِنَّ مَقَاطِعَ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ " وصححه الألباني في " الإرواء" (6/ 303).
وقال البخاري في صحيحه: " وقال ابن عون عن ابن سيرين: قال رجل لكريِّه: أدخل ركابك، فإن لم أرحل معك يوم كذا وكذا، فلك مائة درهم، فلم يخرج؟
فقال شريح: من شرط على نفسه، طائعا غير مكره: فهو عليه" انتهى من صحيح البخاري، كتاب الشروط، باب ما يجوز من الاشتراط والثُّنيا في الإقرار.
والله أعلم.
تعليق