الحمد لله.
أولا:
يبدأ وقت رمي جمرة العقبة الكبرى من منتصف ليلة النحر، أي ليلة العاشر من ذي الحجة، ويمتد إلى غروب الشمس، ولا حرج لو رماها في الليل عند بعض أهل العلم، قبل فجر الحادي عشر.
قال ابن قدامة رحمه الله في “المغني” (3/ 381): “ولرمي هذه الجمرة وقتان: وقت فضيلة، ووقت إجزاء.
فأما وقت الفضيلة: فبعد طلوع الشمس…
وأما وقت الجواز: فأوله نصف الليل من ليلة النحر.
وبذلك قال عطاء، وابن أبي ليلى، وعكرمة بن خالد، والشافعي.
وعن أحمد: أنه يجزئ بعد الفجر قبل طلوع الشمس. وهو قول مالك، وأصحاب الرأي وإسحاق، وابن المنذر.
وقال مجاهد، والثوري، والنخعي: لا يرميها إلا بعد طلوع الشمس…
فإن أخرها إلى الليل، لم يرمها حتى تزول الشمس من الغد. وبهذا قال أبو حنيفة، وإسحاق.
وقال الشافعي، ومحمد بن المنذر، ويعقوب: يرمي ليلا… وقال مالك: يرمي ليلا وعليه دم. ومرة قال: لا دم عليه” انتهى.
ويجوز أن يجمع الرمي، فيرمي جمرة العقبة مع يوم الحادي العشر، أو يجمع رمي العاشر والحادي عشر مع الثاني عشر، أو يرمي الجميع في اليوم الثالث عشر، بشرط الترتيب، فيرمي عن اليوم الأول، ثم يعود فيرمي عن اليوم الثاني وهكذا؛ لأن أيام التشريق صالحة للرمي، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة.
لكن الأولى أن يرمي كل يوم في يومه؛ إلا أن يكون صاحب عذر، كمن يعمل في خدمة الحجاج طبيبا أو رجل أمن.
فإن أخر الرمي عن مغرب اليوم الثالث عشر، لم يمكنه تدارك الرمي، ويلزمه دم، وهو شاة، فإن لم يستطع صام عشرة أيام.
قال البهوتي رحمه الله في “كشاف القناع” (2/ 510): “(وإن أخر الرمي كله مع رمي يوم النحر) بأن أخر رمي جمرة العقبة يوم النحر ورمي اليوم الأول والثاني من أيام التشريق (فرماه آخر أيام التشريق: أجزأه أداؤه؛ لأن أيام الرمي كلها بمثابة اليوم الواحد)؛ لأنها كلها وقت للرمي، فإذا أخره من أول وقته إلى آخره: أجزأه، كما لو أخر الوقوف بعرفة إلى آخر وقته.
(وكان) بتأخير الرمي إلى آخرها (تاركا للأفضل)، وهو الإتيان بالرمي في مواضعه السابقة. (ويجب ترتيبه بنية) كالمجموعتين والفوائت من الصلاة.
(وكذا لو أخر رمي يوم) واحد (أو) رمي (يومين)، ثم رماه فيما بعد، قبل مضي أيام التشريق، فإنه يكون أداء لما سبق.
(وإن أخر الرمي كله) عن أيام التشريق (أو) أخر (جمرة) العقبة (عن أيام التشريق، أو ترك المبيت بمنى ليلة أو أكثر) من ليالي أيام التشريق: (فعليه دم)، لقول ابن عباس: “من ترك نسكا أو نسيه فإنه يهريق دما”” انتهى.
وينظر: “المجموع” للنووي (8/ 235).
ثانيا:
الرمي في أيام التشريق فيه تفصيل:
فرمي الحادي عشر، يبدأ من الزوال إلى غروب الشمس، في قول الجمهور، ويجوز ليلا عند بعض العلماء.
وكذلك رمي اليوم الثاني عشر.
لكن إن تعجل: وجب أن يرمي قبل غروب الشمس، ولم يصح ليلا.
جاء في “الموسوعة الفقهية للدرر السنية” (2/ 272): “يجوز الرمي ليلاً لمن لم يرم نهاراً، فيمتد وقت جواز رمي كل يوم إلى فجر اليوم التالي، وهذا مذهب الحنفية، وهو وجهٌ للشافعية، واختاره ابن المنذر، والنووي، وابن باز، وابن عثيمين” انتهى.
وأما اليوم الثالث عشر، فينتهي بغروب الشمس. فإن أخره عن ذلك لم يصح، وعليه دم.
وتقدم أنه يجوز عند الشافعية والحنابلة أن يرمي عن اليوم الحادي عشر فيما بعده، وكذلك أن يرمي عن الثاني عشر فيما بعده.
وفي “الموسوعة الفقهية الكويتية” (23/ 158): “وأما نهاية وقت الرمي في اليوم الأول والثاني من أيام التشريق: فقد ذهب الشافعية والحنابلة إلى أن آخر الوقت بغروب شمس اليوم الرابع من أيام النحر، وهو آخر أيام التشريق الثلاث، فمن ترك رمي يوم أو يومين، تداركه فيما يليه من الزمن…
وأما الحنفية والمالكية فقيدوا رمي كل يوم بيومه، ثم فصلوا: فذهب الحنفية إلى أنه ينتهي رمي اليوم الثاني من أيام النحر بطلوع فجر اليوم الثالث، ورمي اليوم الثالث بطلوع الفجر من اليوم الرابع. فمن أخر الرمي إلى ما بعد وقته فعليه قضاؤه، وعليه دم عندهم.
والدليل على جواز الرمي بعد مغرب نهار الرمي: حديث الإذن للرعاء بالرمي ليلا.
وذهب المالكية إلى أنه ينتهي الأداء إلى غروب كل يوم، وما بعده قضاء له، ويفوت الرمي بغروب الرابع، ويلزمه دم في ترك حصاة أو في ترك الجميع، وكذا يلزمه دم إذا أخر شيئا منها إلى الليل” انتهى.
ثالثا:
يمتد وقت الذبح من يوم النحر إلى آخر أيام التشريق، أي مغرب اليوم الثالث عشر من ذي الحجة؛ لقوله تعالى: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ الحج/28، والأيام المعلومات تشمل أيام التشريق كلها.
والقول الثاني لأهل العلم: أن الذبح ينتهي بمغرب شمس اليوم الثاني من أيام التشريق.
قال في “المغني” (3/ 384): “ووقت نحر الأضحية والهدي ثلاثة أيام: يوم النحر، ويومان بعده، نص عليه أحمد، وقال: هو عن غير واحد من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -. ورواه الأثرم، عن ابن عمر، وابن عباس. وبه قال مالك، والثوري.
ويروى عن علي – رضي الله عنه – أنه قال: أيام النحر يوم الضحى، وثلاثة أيام بعده.
وبه قال الحسن، وعطاء، والأوزاعي، والشافعي، وابن المنذر” انتهى.
فإن خرج الوقت ولم يذبح الهدي الواجب كهدي التمتع، ذبحه قضاء.
قال في “كشاف القناع” (3/ 10): “(وإن فات الوقت) قبل ذبح هدي أو أضحية (ذبح الواجب قضاء)؛ لأن الذبح أحد مقصودي الأضحية، فلا يسقط بفوات وقته، كما لو ذبحها في الوقت ولم يفرقها حتى خرج الوقت.
(وسقط التطوع) بخروج وقت الذبح؛ لأن المحصل للفضيلة: الزمان، وقد فات، فلو ذبحه وتصدق به، كان لحما تصدق به، لا أضحية. في الأصح” انتهى.
رابعا:
لا آخر لوقت الحلق، فلو أخره عن أيام التشريق، حلق ولا شيء عليه.
قال النووي رحمه الله في “المجموع” (8/ 209): “لو أخر الحلق إلى بعد أيام التشريق حلق ولا دم عليه، سواء طال زمنه أم لا، وسواء رجع إلى بلده أم لا، هذا مذهبنا، وبه قال عطاء وأبو ثور وأبو يوسف وأحمد وابن المنذر وغيرهم” انتهى.
خامسا:
لا آخر لوقت طواف الإفاضة والسعي، عند الجمهور.
قال النووي رحمه الله (8/ 224): “ذكرنا أن مذهبنا أن طواف الإفاضة لا آخر لوقته، بل يبقى ما دام حيا، ولا يلزمه بتأخيره دم.
قال ابن المنذر: ولا أعلم خلافا بينهم في أن من أخره وفعله في أيام التشريق: أجزأه، ولا دم.
فإن أخره عن أيام التشريق فقد قال جمهور العلماء، كمذهبنا: لا دم.
ممن قاله عطاء وعمرو بن دينار وابن عيينة وأبو ثور وأبو يوسف ومحمد وابن المنذر، وهو رواية عن مالك
وقال أبو حنيفة: إن رجع إلى وطنه قبل الطواف، لزمه العود للطواف، فيطوف وعليه دم للتأخير، وهو الرواية المشهورة عن مالك” انتهى.
وقال أيضا (8/ 82): “ذكرنا أن مذهبنا أن أول وقت طواف الإفاضة من نصف ليلة النحر، وآخره آخر عمر الإنسان، وإن بقي خمسين سنة، وأكثر، ولادم عليه في تأخيره، وبه قال أحمد.
وقال أبو حنيفة: أوله طلوع فجر يوم النحر، وآخره اليوم الثاني من أيام التشريق، فإن أخره عنه لزمه دم” انتهى.
وينظر: جواب السؤال رقم: (467490).
والله أعلم.
تعليق