الاثنين 17 جمادى الأولى 1446 - 18 نوفمبر 2024
العربية

لم تصم رمضان بسبب الولادة ولم تقض حتى توفيت، فما الواجب؟

532736

تاريخ النشر : 16-10-2024

المشاهدات : 882

السؤال

توفيت والدتي قبل فترة رحمها الله تعالى بعد مضي سنتان وسبعة أشهر على دخولها في غيبوبة، ووجدت في دفاترها ورقة كتبت فيها أن عليها قضاء صيام رمضان عندما ولدت أختي، هذا القضاء قديم جداً، أكثر من ٢٠ سنة، مع العلم قبل مرضها الأخير ودخولها الغيبوبة كانت تعاني من مرض نفسي ولسنين طويلة، وفي السنوات الثمان الأخيرة زاد عليها، حتى إنها صارت لا تصلي، ولا تصوم، وحال الطهارة ضعيف جدا عندها، وتحتاج إلى رعاية نوعاً ما، لكنها كانت تعقل الكلام، ولكن ليس كالشخص الطبيعي، فهي لا تقوم برعاية نفسها بشكل كلي، بل تحتاج إلى شخص يساعدها وينتبه لها، فأنا في حيرة هل تعتبر شخصا مكلفا أم لا؟ ولو كانت تعتبر مكلفة هل دخولها الغيبوبة يرفع وجوب القضاء عنها أم لا؟

الجواب

الحمد لله.

إذا كان على والدتك أيام من رمضان تركتها حال وعيها وتكليفها، ثم عاشت مدة بعدها صحيحة يمكنها القضاء فلم تفعل، فهو دين في ذمتها، فيجب أن يُخرَج من تركتها طعام مسكين عن كل يوم، ويجوز لك أو لغيرك صيامها عنها، أو التبرع بالإطعام عنها.

روى البخاري (1952)، ومسلم (1147) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ).

وهذا يشمل صيام النذر وقضاء رمضان وغيرهما على الراجح، وهو قول الشافعي في القديم، واختاره جماعة من أهل العلم.

قال ابن قدامة رحمه الله : ” من مات وعليه صيام من رمضان، لم يخل من حالين:

أحدهما، أن يموت قبل إمكان الصيام، إما لضيق الوقت، أو لعذر من مرض أو سفر، أو عجز عن الصوم، فهذا لا شيء عليه في قول أكثر أهل العلم…

الحال الثاني: أن يموت بعد إمكان القضاء، فالواجب أن يطعم عنه لكل يوم مسكين. وهذا قول أكثر أهل العلم ، روي ذلك عن عائشة، وابن عباس، وبه قال مالك، والليث، والأوزاعي، والثوري، والشافعي، والحسن بن حي، وابن علية، وأبو عبيد، في الصحيح عنهم.

وقال أبو ثور: يصام عنه. وهو قول الشافعي؛ لما روت عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من مات وعليه صيام، صام عنه وليه» متفق عليه” انتهى من “المغني” (3/ 152).

وقال النووي رحمه الله: “من مات وعليه قضاء رمضان أو بعضه فله حالان :

أحدهما: أن يكون معذورا في تفويت الأداء ودام عذره إلى الموت، كمن اتصل مرضه أو سفره أو إغماؤه أو حيضها أو نفاسها أو حملها أو إرضاعها ونحو ذلك بالموت، لم يجب شيء على ورثته، ولا في تركته، لا صيام ولا إطعام، وهذا لا خلاف فيه عندنا

الحال الثاني: أن يتمكن من قضائه، سواء فاته بعذر أم بغيره، ولا يقضيه حتى يموت؛ ففيه قولان مشهوران : أشهرهما وأصحهما عند المصنف والجمهور، وهو المنصوص في الجديد: أنه يجب في تركته لكل يوم مد من طعام، ولا يصح صيام وليه عنه

والثاني: وهو القديم، وهو الصحيح عند جماعة من محققي أصحابنا، وهو المختار: أنه يجوز لوليه أن يصوم عنه، ويصح ذلك، ويجزئه عن الإطعام وتبرأ به ذمة الميت، ولكن لا يلزم الولي الصوم، بل هو إلى خيرته“.

قال: “وهذا القديم هو الصحيح عند جماعة من محققي أصحابنا الجامعين بين الفقه والحديث، واستدلوا له بالأحاديث الصحيحة منها: حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ” من مات وعليه صيام صام عنه وليه” رواه البخاري ومسلم .

وعن ابن عباس قال: ” جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله , إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها ؟ فقال : لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها ؟ قال: نعم، قال : فدين الله أحق أن يقضى ” رواه البخاري ومسلم .

وعن ابن عباس أيضا قال: “جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن أمي ماتت وعليها صوم نذر، أفأصوم عنها ؟ قال : أفرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه، أكان يؤدي ذلك عنها ؟ قالت : نعم , قال : فصومي عن أمك ” رواه مسلم ورواه البخاري أيضا تعليقا بمعناه” .

إلى أن قال رحمه الله : “قلت: الصواب الجزم بجواز صوم الولي عن الميت، سواء صوم رمضان والنذر، وغيره من الصوم الواجب؛ للأحاديث الصحيحة السابقة، ولا معارض لها، ويتعين أن يكون هذا مذهب الشافعي؛ لأنه قال: ” إذا صح الحديث فهو مذهبي واتركوا قولي المخالف له” وقد صحت في المسألة أحاديث كما سبق، والشافعي إنما وقف على حديث ابن عباس من بعض طرقه كما سبق، ولو وقف على جميع طرقه، وعلى حديث بريدة وحديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: لم يخالف ذلك كما قال البيهقي فيما قدمناه عنه في آخر كلامه.

فكل هذه الأحاديث صحيحة صريحة فيتعين العمل بها لعدم المعارض لها” انتهى من “المجموع” (6/ 414).

وجاء في “فتاوى اللجنة الدائمة”  (10/ 371): ” مرضت زوجتي ومكثت في المرض ثلاث سنوات ونصف، ولم تستطع صومها بسبب المرض، وذلك من عام 95 حتى 15/9/98هـ، ثم توفيت، وكان مجموع الصوم الذي عليها ثلاثة أشهر ونصف، فهل أصوم عنها هذه المدة أو أدفع عنها صدقة أو أصوم عنها وأدفع صدقة؟ وهل يجوز أن يصوم عنها أحد أقربائها غيري هذه المدة؟ أفيدوني.

الجواب: إذا كان الأمر كما ذكرت، من أن زوجتك مكثت في المرض ثلاث سنوات ونصف سنة، ولم تستطع صوم رمضان في هذه السنوات في وقته ثم توفيت؛ فإن استمر بها المرض حتى الوفاة: فلا قضاء عليها؛ لعدم تمكنها منه، قال تعالى: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} ، وقال : {فاتقوا الله ما استطعتم} ، ولا يطالب أولياؤها ولا زوجها بالقضاء عنها.

أما إن كانت شفيت مدة من هذا المرض تتمكن فيها من القضاء، وفرطت فيه: شرع لزوجها وأقربائها أن يصوموا عنها ما وجب عليها قضاؤه ولم تقضه.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عضو… نائب رئيس اللجنة…الرئيس

عبدالله بن قعود…عبدالرزاق عفيفي…عبدالعزيز بن عبدالله بن باز” انتهى.

ولا يسقط ما عليها بسبب دخولها في غيبوبة بعد ذلك، ما دامت قد عاشت فترة صحيحة كان يمكنها فيها القضاء.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب