الحمد لله.
من بنى مسجدا، وصرح بأنه وقف، أو أذِن للناس بالصلاة فيه، صار وقفا، وخرج عن ملكه، وحرم بيعه؛ لما روى البخاري (2737)، ومسلم (1633) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: ” أَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَصَابَ أَرْضًا بِخَيْبَرَ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ، فَمَا تَأْمُرُ بِهِ؟ قَالَ: إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا، قَالَ: فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ، وَلَا يُوهَبُ، وَلَا يُورَثُ، وَتَصَدَّقَ بِهَا فِي الْفُقَرَاءِ، وَفِي الْقُرْبَى، وَفِي الرِّقَابِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، وَالضَّيْفِ، لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَيُطْعِمَ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ”.
قال في “الروض المربع” ص 453: ” (ويصح) الوقف (بالقول وبالفعل الدال عليه) عرفاً (كمن جعل أرضه مسجدا وأَذِن للناس في الصلاة فيه)، أو أذَّنَ فيه وأقام” انتهى.
وقال في ص 459: ” (والوقف عقد لازم) بمجرد القول، وإن لم يحكم به حاكم، كالعتق؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث». قال الترمذي: العمل على هذا الحديث عند أهل العلم.
فـ (لا يجوز فسخه) بإقالة ولا غيرها؛ لأنه مؤبد، (ولا يباع)، ولا يُنَاقَل به (إلا أن تتعطل منافعه) بالكلية، كدار انهدمت، أو أرض خربت وعادت مواتا، ولم تمكن عمارتها، فيباع. لما روي أن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كتب إلى سعد – لما بلغه أن بيت المال الذي بالكوفة نُقب -: أن انقل المسجد الذي بالتمّارين، واجعل بيت المال في قبلة المسجد، فإنه لن يزال في المسجد مصلى، وكان هذا بمشهد من الصحابة، ولم يظهر خلافه؛ فكان كالإجماع.” انتهى.
فهذا المسجد، ولو كان تحت عمارة: فإنه يحرم بيعه، ولا يصح.
فإذا أردتم بيع العمارة وجب النص في العقد على أن العمارة المباعة لا تشمل المسجد، وأن المسجد وقف لله تعالى؛ لئلا يتمكن أحد من بيعه مستقبلا.
ولكم اشتراط القيام والإشراف على هذا الوقف، أو تعيين من يشرف عليه، أو الرضى بإشراف المشتري.
فإن أبى المشتري استثناء المسجد من البيع، فالسبيل أمامكم هو بيع الشقق شقة شقة.
والله أعلم.
تعليق