الثلاثاء 23 جمادى الآخرة 1446 - 24 ديسمبر 2024
العربية

هل عفة المرأة مرتبطة بغشاء البكارة؟

535350

تاريخ النشر : 05-11-2024

المشاهدات : 1809

السؤال

هل غشاء البكارة فعلًا مرتبط بعفة المرأة في ديننا، أم إن هذا نابع فقط من فكر المجتمع العربي؟ احترت كثيرًا بسبب أقاويل الناس التي تبث الخوف في نفوس البنات، وبين آراء الأطباء الذين يقولون: إنه ليس بدليل على عفة المرأة؛ لأن بعض الإناث يولدون بدون غشاء.

الجواب

الحمد لله.

أولاً:

البكارة هي: عُذْرَةُ المرأة وهي الجلدة الرقيقة التي خلقها الله في مدخل قبل المرأة، وتزول بمعاشرتها عادة، على نحو ما يحدث بين الزوج وزوجته، فإذا زالت أصبحت المرأة ثيباً وتحول وضعها من عذراء إلى ثيب، والمرأة البكر هي التي لم يفتض غشاء بكارتها، ويقال للرجل بكر: إذا لم يقرب النساء. انظر:” المصباح المنير، مادة: بكر” (ص 59). و”الموسوعة الفقهية الكويتية” (8/ 176).

وفي اصطلاح الفقهاء:

 قال الحنفية: البكر اسم لامرأة لم تجامَعْ بنكاح ولا غيره، فمن زالت بكارتها بغير جماع، كوثبة، أو اندفاع حيض، أو حصول جراحة، أو طول عنوسة حتى خرجت من عداد الأبكار: فهي بكر حقيقة، وحكمًا. انظر: “حاشية ابن عابدين” (2/302)

وعند المالكية: هي المرأة التي لم توطأ بعقد صحيح، أو عقد فاسد جري مجرى الصحيح، أو لم تزل بكارتها أصلا.  انظر: “حاشية الدسوقي على الشرح الكبير” (2/281)

وعند الشافعية: البكر هي التي ترادف العذراء لغة وعرفا، وهي التي لم تزل بكارتها أصلاً بنكاح صحيح أو فاسد أو حرام. انظر: “الحاوي الكبير” (9/ 68):

وعند الحنابلة: هي التي لم يسبق لها الزواج ولم تزل بكارتها بوطء سابق، أو هي التي لم تمارس الرجال بالوطء في محل البكارة. انظر: ” كشاف القناع” (5/47).

وأما الأطباء فقد ذكروا أنه نادراً ما تولد الفتاة بدون غشاء البكارة.

ينظر:  “د. محمد الحناوي أخصائي النساء والتوليد مستشفى دمياط . أحكام سقوط البكارة ورتقها، د. حشمت عبده، ص: 11” .

وموقع الطبي

ثانياً:

تختلف نظرة العرب والمسلمين عموما لموضوع البكارة عن النظرة الغربية وخاصة في الوقت الحاضر، وهذا الاختلاف في التصور والقناعات ينبني عليه اختلاف في السلوك والممارسات والتقييم الأخلاقي المرتبط بموضوع البكارة

فالبكارة في عند العرب والمسلمين: علامة على العفة والحياء، وهي أمر مرغوب، وفي السرد التاريخي الكثير مما يؤيد الاعتزاز بالعذرية وبقاء البكارة سواء عند العرب وغيرهم، وقد عزز الإسلام هذا المعنى بمدح العذرية، فقد مدح الله تعالى صفة البكارة في المرأة في وصف نساء أهل الجنة لما لها من أهمية كبرى عند الزوج بقوله : ﴿إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (٣٥) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا ﴾ [الواقعة: 35-36]  وقال تعالى: ﴿لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ ﴾ [الرحمن: 56]. وهذا مدح للمرأة التي لم تُمسَّ، والتي حافظت على غشاء بكارتها فلم يُفضّ إلا من قبل زوجها الحلال، وهنا يشير القرآن الكريم إلى غشاء البكارة بسياق الإيحاء، وذلك بيانًا لأهميته وخطورة افتضاضه بغير وجه شرعي.

أما بالنسبة لنظرة الغرب للبكارة، فقد كان محل اعتزاز ودليل عفة، حتى سادت في المجتمعات الكافرة، وخاصة الغربية، قبل مائة عام أفكار الفيلسوف الإباحي (فرويد) التي تدعو إلى الانفتاح الجنسي، وعدم ربطها بالدين والأخلاق والأعراف، حتى إنك لو تتبعت الإحصائيات في تلك البلدان، فلا تكاد تجد نسبة مئوية تذكر لوجود البكارة عند فتياتهم، بل وصل الأمر عندهم إلى اعتبار أن الفتاة التي بلغت ولم تزل تحتفظ ببكارتها أنها مريضة نفسياً، والأفضل أن تعرض على الطب النفسي حتى تصبح سوية مثل بقية فتيات المجتمع. انظر: “الزواج في ظل الإسلام” (ص51).

ثالثاً:

أما ما سألتِ عنه بخصوص هل البكارة دليل عفة المرأة؟ وهل ذهابها دليل على عدم عفتها؟

فنعم؛ هو هكذا من حيث الأصل؛ فالبكارة علامة ظاهرة على عفة الفتاة، وعدم وجودها سبب للشك والريبة.

ومع ذلك؛ فهناك حالات استثنائية، نادرة، قد تقع على خلاف هذا الأصل، فغشاء البكارة قد يزول من العفيفة بسبب وثبة أو ركوب على شيء حاد، أو ممارسة بعض أنواع الرياضات ونحو ذلك.

كما أن هناك حالات نادرة تولد فيها بعض الفتيات بدون غشاء بكارة لأسباب طبية أو تولد بغشاء بكارة ذات فتحة كبيرة كما سبق بيانه في التوصيف الطبي.

فإذا ثبت أن المرأة قد زالت بكارتها بشيء من ذلك؛ فإن مجرد الزوال في مثل هذه الصور: لا يخرجها عن حد العفة.

وقد نص الفقهاء على ذلك، وبنوا عليه أحكاماً مهمة في النكاح، في مسائل الاستحقاق للمهر والثيوبة وعيوب النكاح، وغيرها من الأحكام كما سياتي بيان بعضها.

فعن عائشة رضي الله عنها قالت: “إنّ العذرة تذهب من الوثبة والحيضة والوضوء” رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (30194).

وعن قتادة، عن الحسن في الرجل، يقول لامرأته: لم أجدك عذراء، قال: لا شيء عليه، العذرة تذهبها الحيضة والوثبة” رواه عبد الرزاق في مصنفه (13280).

وعن الحكم بن أبان، قال: “سألت سالم بن عبد الله عن ذلك، فقال: إن العذرة تذهبها الحيضة والوثبة” رواه عبد الرزاق في مصنفه (13281).

قال البابرتي رحمه الله: “وإذا زالت البكارة بوثبة، وهو الوثوب من فوق، أو حيضة أو جراحة أو تعنيس: فهي في حكم الأبكار في كون إذنها سكوتَها؛ لأنها بكر، إذ البكر: هي التي يكون مصيبها أول مصيب” انتهى من “شرح الهداية” (3/ 270).

وحاصل الأمر أن يقال هنا:

إذا زالت البكارة بالزواج الحلال: فهذا أمره واضح، ولا إشكال فهي.

وإذا قدر أن المرأة ولدت من غير غشاء، وهذا قد يقع نادرا: فإنها في حكم البكر، من حيث الأحكام الفقهية. وهي كذلك عفيفة، محصنة، من حيث الحكم الأخلاقي، والإيماني.

ومثلها من زالت بكارتها بحادث، أو أمر قهري خارج عن قدرتها، ولم تعص ربها فيه: فهي أيضا في حكم البكر، كما سبق، وهي عفيفية محصنة.

وأما إذا زال بسبب محرم، كما هو الشائع في بلاد الكفر، وكما هو فعل أهل الفحش والفساد: فلا يخفى أمرها، وهي آثمة، فاسقة بذلك، وهي كذلك: غير عفيفة.

ولعل هذه الصورة الأخيرة: هي التي تبحث السائلة عن جوابها.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب