الحمد لله.
أولا:
القذف: هو الرمي بالزنا، أو اللواط، وهو كبيرة من الكبائر التي رتب الله عليها حدا من الحدود، وتوعد صاحبها بالعذاب، وعده من الفاسقين، وسواء كان المقذوف رجلاً أو امرأة.
قال الله تعالى ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور: 4].
قال ابن كثير رحمه الله: "هذه الآية الكريمة فيها بيان حكم جلد القاذف للمحصنة، وهي الحرة البالغة العفيفة، فإذا كان المقذوف رجلا فكذلك يجلد قاذفه أيضا، ليس في هذا نزاع بين العلماء" انتهى من "تفسير ابن كثير" (6/13).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عنه عن النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ قَالَ: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ).
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَمَا هُنَّ؟
قَالَ: (الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات) رواه البخاري (2615).
لذا فإن على المسلم الحذر كل الحذر من الوقوع في هذه الكبيرة، سواء ابتداء أو رداً.
ثانياً:
يجوز للمرء أن يرد على من سبه بمثل ما سبه به، إلا أن يكون في الرد اعتداء وتجاوز.
قال الله تعالى: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ البقرة/194.
قال القرطبي رحمه الله:
" قوله تعالى: (فَمَنِ اعْتَدَى) الاعتداء هو التجاوز، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، أي يتجاوزها، فمن ظلمك فخذ حقك منه بقدر مظلمتك، ومن شتمك فرد عليه مثل قوله، ومن أخذ عرضك فخذ عرضه، لا تتعدى إلى أبويه ولا إلى ابنه أو قريبه، وليس لك أن تكذب عليه وإن كذب عليك، فإن المعصية لا تقابل بالمعصية" انتهى من" تفسير القرطبي" (2/360).
لكن إذا كان العدوان بالسب: تكفيرا، أو قذفا؛ فلا يجوز الرد على البادي بمثل سبه وقذفه؛ لأن ذلك محرم في نفسه، لحق الله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحم الله:
"وكذلك له أن يسبه كما يسبه: مثل أن يلعنه كما يلعنه. أو يقول: قبحك الله. فيقول: قبحك الله. أو: أخزاك الله. فيقول له: أخزاك الله. أو يقول: يا كلب، يا خنزير، فيقول: يا كلب، يا خنزير.
فأما إذا كان محرم الجنس مثل تكفيره، أو الكذب عليه لم يكن له أن يكفره ولا يكذب عليه.
وإذا لعن أباه، لم يكن له أن يلعن أباه؛ لأن أباه لم يظلمه" انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3/ 402).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"لو قذفه فإنه لا يرد عليه بقذف، لو أن المعتدي قال له: يا زانٍ أو يا لوطي، فإنه لا يَرُد عليه بمثل ذلك.
وهذه مسألة يجب التنبه لها.
أما لو قال: لعنك الله، فليقل: لعنك الله أنت، أو أخزاك الله، يقول: أخزاك الله أنت" انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (129/ 26 بترقيم الشاملة).
وعليه؛ فمن قذف شخصاً: فإن المقذوف بالخيار بين أن يطالب بحقه الشرعي عن طريق القضاء، أو يدخر ظلامته ليوم القيامة، يقتص من ظالمه. أو يعفو ويصفح، إن طابت نفسه بذلك، واحتسب فيه الأجر.
والله أعلم.
تعليق