الحمد لله.
أولاً:
إذا دعا المؤمن ربه -بعد الأخذ بأسباب إجابة الدعاء- فإن عليه أن يحسن الظن بالله عز وجل، وأنّ ما يقدره الله خير له، فكون الله يصرف عنك الوظيفة التي ترغبين في الحصول عليها، فاعلمي أن ذلك من تقدير الله عليك، وهو مع الاجتهاد في الدعاء، وحسن الظن بالله: من الخير لك. فربما جرى عليك فيها من المشاكل والإشكالات ما لا تتوقعينه. وقد يريد الله بك أمرا هو خير لك منها. أو يصرف عنك شرا، صرفه أعظم من مجرد الحصول على هذه الوظيفة. وكل هذا معروف ومجرب فكم يدعو المرء بحصول شيء ويلح في الدعاء ثم بعد زمن يحمد الله أنه لم يكن.
قال ابن القيم رحمه الله:
“على العبد أن يعلم أن منع الله سبحانه لعبده المؤمن به، المحب له: عطاء، وابتلاءه إياه عافية.
قال سفيان الثوري: منع الله عطاء، لأنه يمنع عن غير بخل ولا عدم، فمنعه اختيار وحسن نظر. وهذا كما قال، فإنه سبحانه لا يقضي لعبده المؤمن قضاء إلا كان خيرا له، ساءه ذلك القضاء أو سره، فقضاؤه لعبده المؤمن عطاء وإن كان في صورة المنع، ونعمة وإن كان في صورة محنة، وعافية وإن كانت في صورة بلية.
ولكن لجهل العبد وظلمه لا يعد العطاء والنعمة والعافية إلا ما التذ به في العاجل، وكان ملائما لطبعه. ولو رزق من المعرفة حظا وافرا لعد نعمة الله عليه فيما يكرهه أعظم من نعمته عليه فيما يحبه” انتهى من “مدارج السالكين” (2/ 539).
ثانياً:
إجابة الدعاء لا يلزم أن يكون بحصول الأمر الذي دعا به بعينه، فقد ورد في الحديث الصحيح: أنّ الدعاء قد يستجاب كما طلب صاحبه، وقد يصرف الله به عنه سوء، وقد يدَّخِره له إلى يوم القيامة حيث البحث الحقيقي عن عمل يرتفع بها رصيد حسناته.
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا) ” قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: (اللهُ أَكْثَرُ). رواه أحمد (11133)، وصححه الألباني في “صحيح الترغيب” (1631).
ثالثاً:
أما مسألة كيف تعرف أنّ تأخير الدعاء لحكمة أرادها الله، أو لوجود موانع الاستجابة: فالعبد عليه أن ينظر إلى حاله، ويحسن الظن بربه، ويعلم أنه ما يؤتى إلا من قبل نفسه. فمن وجد خيرا، فليحمد الله. ومن وجد غير ذلك، فلا يلومن إلا نفسه. وليعد إلى ربه بالتوبة النصوح، وإصلاح ما وهى من نفسه، واختل من عمله.
ومما عليه أن يعتني به في ذلك:
- عدم الاستعجال بالإجابة، يقول دعوت فلم يستجب لي.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: (يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي) رواه البخاري (5981).
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ، أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا الِاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ، وَيَدَعُ الدُّعَاءَ) رواه مسلم (2735).
2- تحري الحلال في كسبه ومطعمه ومشربه
فعن أبي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : (أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا. وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بما أمر به المرسلين. فقال: {يا أيها الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بما تعملون عليم}. وقال: {يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}
ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ. أَشْعَثَ أَغْبَرَ. يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ. يَا رَبِّ! يَا رَبِّ! وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وغذي بالحرام. فأنى يستجاب لذلك؟ ) رواه مسلم (1015).
3- اليقين بأن الله قادر على إجابة الدعاء، وحضور القلب عند الدعاء.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ) رواه الترمذي (3479) وصححه الألباني.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
عدم الإجابة لها أسباب: قد يكون لسوء أعماله، ومعاصيه، وكثرة شره، وقد يكون لأكله الحرام، وتعاطيه الحرام، قد يكون أنه يدعو بقلب غافل معرض، قد تكون لأسباب أخرى، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما من عبد يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم؛ إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته في الدنيا، وإما أن تدخر له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من الشر مثل ذلك قيل: يا رسول الله! إذًا نكثر؟ قال: الله أكثر.
فالحاصل: أن الإنسان إذا دعا دعوات، فقد يكون عدم الإجابة من أجل معاصيه، وغفلته، وإعراضه، وأكله للحرام، وقد تكون عدم الإجابة؛ لأن الله -جل وعلا- اختار له أن يعوضه عما طلب بما ينفعه في الجنة، والآخرة، وأن تكون دعوته هذه عوضًا عنها بشيء ينفعه في الآخرة، وفي جنة المأوى.
وقد تكون المسألة فيه مصلحة أخرى، وهي أن يصرف عنه شرورًا أخرى، جعل الله دعوته هذه تصرف عنه شرًا لم يكن على باله، صرف الله عنه بسبب دعوته، ويكون ذلك خيرًا له بحكمة الله عز وجل كونه يعطى هذا الولد، أو هذا البيت، أو هذه الزوجة، قد يكون ما صرف الله عنه من الشر بسبب هذه الدعوة أنفع له من هذا الشيء، كما في الحديث” انتهى
ومع الدعاء، فإن الله تعالى أمر بالأخذ بالأسباب الحسية، فلا تتوقف عن العمل بسبب أن تحصر نفسك في قطاع أو تخصص معين، فإن لم يحصل العمل والوظيفة في تخصصك، فأبواب الرزق مشرعة في مجالات أخرى، فخذ بالأسباب وألح على الله بالدعاء، وانزل الميدان، وستجد الخير.
وفقك الله وفتح لك أبوب الخير والرزق.
والله أعلم.
تعليق